Thursday, December 20, 2012
Wednesday, December 19, 2012
و من الذي ليس سجيناً؟!!
كأن من الضروري أن يدخل الفنان و المفكر السجن, بإختياره أو رغم أنفه. و لذلك فالمفكر و الفنان يختار العزلة.. يختار الإبتعاد و الإنطواء وراء بابٍ ضيق. و في هذه العزلة تتولد المعاني..
و في عالم الحيوان نجد الأنثى إذا حملت إنفصلت تماما عن القطيع و توارت عن العيون و راحت تلعق نفسها حتى لا تكون لها رائحة تستدرج الحيوانات المفترسة.
و في الفلسفة وجدنا أن الرهبان في الصوامع أبدعوا الموسوعات و القواميس.
و الشاعر الألماني ريلكه يقول إن الأفكار تهبط على الفنانين كما تهبط الأمطار من السحب..إنه لا يعرف من أين جاءت هذه السحب و من أي بخار ماء تجمعت قطراتها.. و لماذا سقطت هنا أو هناك.
و في الأساطير الألمانية أن كهف العبقرية لا يدخله إلا من يترك من نفسه و جسمه شيئا; كأن يقطعوا يده أو رجله أو يفقأوا عينه- فهذا هو الثمن. و الفنان و المفكر و العالم لا يترددون لحظة واحدة في دفع الثمن, فالمكافأة أعظم.
و في ظلام السجون و الوحدة و البرودة و الغضب أبدع كثيرون من المفكرين و الفنانين و الساسة..
فالأديب سرفانتس دخل السجن ثلاثة أشهر, بدأ فيها كتابة روايته الرائعة "دون كيخوته" .. و فولتير دخل سجن الباستيل و بدأ كتابة ملحمته الشعرية..
و هتلر سجل فلسفته في كتابه "كفاحي"..
و نهرو كتب "لمحات من تاريخ العالم" في سنوات السجن الطويلة..
و الرحالة ماركو بولو أملى رحلاته على أحد النزلاء..
و أوسكار وايلد كتب "من الأعماق" و كان قد دخل السجن بتهمة الشذوذ الجنسي, فخرج من السجن محطما مفضوحا..
و أستاذنا العقاد دخل السجن تسعة أشهر. يقول العقاد:
و كنت جنين السجن تسعة أشهر
فهأنذا في ساحة الخلد أُولَدُ
ففي كل يوم يولَدُ المرء ذو الحجى
و في كل يوم ذو الجهالة يلحدُ
عداتي و صحبي لا إختلاف عليهم
سيعهدني كلٌ كما كان يُعهَدُ
و الرئيس اليمني أحمد النعمان كان يحفظ شعر الشاعر اليمني الزبيري, و لما دخل السجن في مصر خرج شاعرا و نظم قصيدة واحدة في هجاء الرئيس عبدالناصر.. و لأن القصيدة بديعة تمنيت لو بقي في السجن حتى يجعلها ديواناً!
فكلنا سجناء المكاتب و الصوامع و المعامل و الزنازين و إذا لم نجد سجناً صنعناه لكي ننشد الحرية من وراء جدرانه و ظلماته و برودته!
Subscribe to:
Posts (Atom)