يخرج كلَّ صيف فريقٌ من جامعة أوسلو بالنرويج بحثًا عن الوحوش على جزيرة سبيتسبيرجين ويحملون معهم البنادق؛ تحسبًا للتعرض لهجوم من أكبر كائن بري حي آكل للحوم وهو الدب القطبي. لكنهم لا يسعون وراء الدببة، بل يسعون وراء طريدة أكبر بكثير؛ أعتى الحيوانات المفترسة التي عاشت على وجه الأرض على الإطلاق.
إذا رجعنا بالزمن ١٥٠ مليون سنة، نجد أن جزيرة سبيتسبيرجين كان يُغطِّيها بحر ضحل بارد زاخر بالزواحف البحرية. واندثرت هذه الكائنات وباتت حفرياتها جزءًا من جزيرة تعج عن آخرها بالعظام. ولا يوجد مكان آخر على سطح الأرض يجتمع فيه هذا القدر من الزواحف البحرية في مكان واحد.
وعلى مدار أسابيع قليلة قصيرة، لا تغرب الشمس البتة وترتفع درجة الحرارة إلى ما فوق درجة التجمد مباشرة. ولأن العلماء يعلمون جيدًا أنه لن يمضي وقت طويل حتى تتجمد الأرض وتصير صلبة، فإنهم يحفرونها في جنون. يقول يورن هوروم قائد الفريق: «يشبه الأمرُ التهافتَ على الذهب، فهناك الكثير من الحفريات في انتظار العثور عليها. يكتظ الموقع بالهياكل العظمية. وفي هذه اللحظة التي نتحدث فيها ثمة ما ينيف عن ١٠٠٠ هيكل عظمي غالبًا يظهر بنجاح.»
وتُعَدُّ اكتشافات هوروم في منطقة القطب الشمالي جزءًا من انتعاشة ملحوظة في الشغف بالزواحف البحرية التي تنتمي إلى حقبة الميسوزوي، قبل ٢٥١ إلى ٦٥ مليون سنة — بما فيها الاكتشاف الذي أُعلن عنه هذا الأسبوع لزاحفة بحرية ضخمة جديدة من «الساحل الجوراسي» بمقاطعة دورست جنوب إنجلترا. وأصبحنا الآن نعرف عن هذه المجموعة من الكائنات أكثر من أي وقت مضى.
وكانت الزواحف البحرية من بين أولى الحفريات الفقارية التي عرفها العلم، وكانت مفتاحًا لوضع نظرية التطور. ففي أواخر القرن الثامن عشر، اكتُشِف فكٌّ عملاق لوحش شبيه بالعظاءة في أحد المناجم بماستريخت بهولندا. وقد ساعد هذا الكائن الذي سُمِّي فيما بعد موزاصوراس في إقناع العلماء أن الحيوانات يمكن أن تنقرض، وهو مفهوم كان يُعَد متطرفًا آنذاك. وفي بداية القرن التاسع عشر، ساعدت الإكتيوصورات والبليزوصورات التي اكتشفتها صائدة الحفريات الأسطورية ماري آننج بالقرب من خليج لايم بجنوب غرب إنجلترا، في تأسيس علم المتحجرات. وكانت الزواحف البحرية من بين أكثر المخلوقات البحرية المنقرضة المفهومة في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وقد لعبت دورًا هامًّا في الجدل الفكري الذي عزز وضع نظرية داروين حول التطور.
ومع ذلك، انزوت الزواحف البحرية من المشهد مع احتلال أقربائها من المجموعات البرية صدارة المشهد. وقد استغرق الأمر قرابة القرن حتى تبزغ الأبحاث المتعلقة بالزواحف البحرية من وراء الظلال التي ألقاها عليها اكتشاف الديناصورات. فيقول خبير البليزوصورات ليزلي نوي من متحف ثينك تانك ببرمنجهام بالمملكة المتحدة: «ظن العلماء أنهم عرفوا كل ما يمكن معرفته. وكانت الفكرة آنذاك أنها لم تكن تستحق الدراسة. لكن لن يقول أحد هذا الآن؛ ففَهْمُنا الآن للزواحف البحرية أعظم بصورة هائلة مما كان منذ ١٠ سنوات.»
في عالمنا المعاصر، الزواحف البحرية شديدة الندرة؛ فقلما توجد التماسيح التي تعيش في المياه المالحة، والسلاحف، وثعابين البحر في المياه الساحلية. لكن في الدفيئات الخالية من الجليد التي كانت سائدة في حقبة الميسوزوي، جابت الزواحف المحيطات من أقصى الأرض إلى أدناها، محتلة الأدوار البيئية التي تقوم بها الآن في الأساس: الحيتان، والدلافين، وخنازير البحر، والفقمات، بل وحتى القروش.
وعلى غرار الثدييات البحرية اليوم، تطورت الزواحف البحرية من أسلاف كانت تعيش على اليابسة وتتنفس الهواء. وبالنسبة لها، كانت عودة حقيقية إلى المياه. تطورت الزواحف قبل حوالي ٣٠٠ مليون سنة من أسلاف شبيهة بالبرمائيات التي كانت بحاجة لأن تضع بيضها في المياه. وعلى النقيض، تترعرع الزواحف في البيئة الحارة الجافة.
وكان من بين أولى الكائنات العائدة إلى الماء الميسوصورات قبل حوالي ٢٨٠ مليون سنة؛ وقد كانت حيوانات مائية بالكامل، ذات أجسام طويلة نحيلة، مكففة القدم وذات فكاك مليئة بالأسنان. وقد اختفت بعدها ببضعة ملايين من السنين دون أن تترك وراءها سلالات معروفة.
ولم يبدأ غزو شامل للزواحف إلا بعد الانقراض الجماعي الذي حدث إبان العصر البرمي منذ ٢٥١ مليون سنة. وكان هذا الانقراض أعظم فناء للحياة شهده العالم قط، وضُرِبت الحياة البحرية في مقتل؛ إذ انقرض ١٩ نوعًا من بين كل ٢٠ نوعًا من الكائنات البحرية.
كائنات تتنفس الهواء
كانت البحار الخالية مواتية للاستعمار، وكانت الزواحف في وضع مناسب لاستغلال هذه الفرصة؛ فقد كانت درجات الحرارة أكثر دفئًا بعدة درجات مقارنة باليوم؛ مما لاءم الزواحف ذوات الدم البارد أيما ملاءمة. ونظرًا لأنها كانت كائنات تتنفس الهواء، فقد استطاعت الازدهار في مياه ما بعد العصر البرمي منخفضة الأكسجين التي كانت تكافح فيها الأسماك للبقاء على قيد الحياة. كما كانت الأسماك المفترسة الضخمة شديدة الندرة.
تطورت أنواع كثيرة من الزواحف البحرية إبان حقبة الميسوزوي، لكن أربعة منها برزت بسبب توافرها بغزارة، وهيمنتها، وتوزيعها العالمي؛ وهي: الإكتيوصورات، والبليزوصورات، والبليوصورات، والموزاصورات. وكانت هذه المجموعات الأربع مفترسة، واشتملت على أشرس الضواري البحرية في حينها. وبلغت بعض الأنواع أحجامًا هائلة حقًّا.
وكان من بين العوامل الرئيسية لنجاحها تطور التكاثر بالولادة وليس وضع البيض. وبفضل الحفريات المحفوظة جيدًا التي عُثِر عليها في محجر هولتسمادن بألمانيا، عُرِف لعقود أن الإكتيوصورات تكاثرت بهذه الطريقة. وثمة عينة رائعة موجودة الآن في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي بمدينة شتوتجارت، تصور إكتيوصور أثناء عملية الولادة (انظر الصورة أعلاه).
وشُوهِد التكاثر بالولادة على الأرجح في جميع الزواحف البحرية الضخمة؛ ففي عام ٢٠٠١ كان مايك كولدويل من جامعة ألبرتا بكندا يفحص حفرية لموزاصور بمتحف التاريخ الطبيعي بمدينة ترييستي، بإيطاليا، وقال: «حالما فتحتُ ذلك الدرج، أدركت أننا بصدد اكتشاف مهم؛ فقد كان أمامي موزاصور ذو أجنة، وكانت لديه نسخ قليلة دقيقة من الموزاصورات البالغة مصطفة في بطنه.»
وفي عام ٢٠٠٤، ظهر دليل على أن مجموعة من أسلاف البليزوصورات — وهي الكيتشوصورات — ولدت صغارها أيضًا. ونتيجة لذلك، يعتقد الباحثون الآن أن البليزوصورات حتمًا كانت تتكاثر بالولادة هي الأخرى (مجلة نيتشر، المجلد ٤٣٢، صفحة ٣٨٣). يقول كولدويل: «يتيح التكاثر بالولادة للحيوان أن يتضخم أكثر لأنه ليس مضطرًّا للوصول إلى مياه ضحلة أو أن يشق طريقه إلى اليابسة لوضع البيض. فإن كان بمقدور الحيوان أن يلد في الماء، يمكنه استعمار محيطات الكوكب.» (دورية بروسيدينجز أوف ذا رويال سوسايتي أوف لندن، السلسلة ب، المجلد ٢٦٨، صفحة ٢٣٩٧).
وقصة النجاح الكبرى الأولى هي قصة الإكتيوصورات التي تظهر في السجل الحفري منذ حوالي ٢٤٥ مليون سنة. وكانت الإكتيوصورات الأولى كائنات شبيهة بثعبان الماء تمكُث بالقرب من الشاطئ، لكنها تطورت على مدار الأربعين مليون سنة التالية إلى كائنات بحرية انسيابية الجسم على شكل الدولفين، وأبحرت عبر المحيطات المفتوحة، وفقًا لما أورده خبير الإكتيوصورات ريوسكا موتاني بجامعة كاليفورنيا بديفيس (مجلة نيتشر، المجلد ٣٨٢، صفحة ٣٤٧).
تطورت بعض السلالات إلى أضخم الزواحف البحرية التي عاشت على وجه الأرض على الإطلاق. وفي عام ٢٠٠٤، استخرج فريق بقيادة إليزابيث نيكولز من متحف تيرل الملكي بمدينة درامهيلر بكندا، إكتيوصور ضخم من صخور عمرها ٢١٠ ملايين سنة في مقاطعة بريتيش كولومبيا. فكان ذلك الشونيصور الذي يبلغ طوله ٢١ مترًا ضخمًا في حجم الحوت الزعنفي، ثاني أكبر حيوان حي في العالم. يقول موتاني الذي كان عضوًا في فريق التنقيب: «كانت الشونيصورات تبدو على الأرجح كما لو أنك نفخت أحد الدلافين ثم جعلته أكثر نحافة.» (دورية جورنال أوف فيرتبرت بليانتولوجي، المجلد ٢٤، صفحة ٨٣٨). توحي البقايا الصغيرة المتفرقة أنه كان هناك إكتيوصورات أكبر حجمًا آنذاك.
وببدء العصر الجوراسي منذ حوالي ٢٠٠ مليون سنة، انضمَّ إلى فَرَس النهر حيوانات مائية أصغر وأسرع. ففي عام ٢٠٠٢، استنتج موتاني أن الاستينوبتريجيوس — أحد الإكتيوصورات التي وُجِدتْ قبل ١٨٠ مليون سنة في أوروبا — قد تمتع بسرعة سباحة تضاهي سرعة أسماك التونا التي تُعَدُّ من أسرع الأسماك الحية كافة (دورية بليوبيولوجي، المجلد ٢٨، صفحة ٢٥١).
وكان العصر الجوراسي هو العصر الذهبي للإكتيوصورات؛ إذ توافرت بغزارة أكثر من أي زواحف بحرية أخرى، وكانت أول مجموعة تغزو المحيطات العميقة كما وضح موتاني من خلال أبحاثه في الخواص البصرية لأعينها.
وبصفة عامة، يرتبط حجم العين ارتباطًا وثيقًا بحجم الجسم في الفقاريات. والحيتان الزرقاء هي أكبر الفقاريات الحية، وتمتلك أكبر عيون؛ إذ يبلغ قطرها ١٥سم.
لكن كثيرًا من الإكتيوصورات ناقضت هذا النمط؛ إذ يقول موتاني: «كانت أعين الإكتيوصورات هي الأكبر بين كل الفقاريات.» فعلى سبيل المثال، بلغ قطر عين الأوفثلموصور البالغ طوله ٤ أمتار، ٢٣ سم، بحجم الأطباق الطائرة اللعبة، في حين أن أعين التيمنودنتوصور البالغ طوله ٩ أمتار، كان ٢٦ سم. وبين جميع الكائنات الحية، فإن الحبار العملاق الذي يعيش في أعماق البحار هو وحده الذي يملك عيونًا بأحجام مشابهة. ويقول موتاني: إن العيون العملاقة كانت صفة تكيفية للغوص على عمق ٥٠٠ متر أو أكثر لاصطياد الحبارات وغيرها من الرأسقدميات؛ مثل السهميات المنقرضة الآن.
وقد قدَّر موتاني حِدَّةَ إبصار عيون الإكتيوصورات عن طريق حساب قدرتها على تجميع الضوء بِناءً على الحجم والبعد البؤري، واستنتج أنها كانت أكثر حساسية من الثدييات الليلية العادية، فيقول: «على عمق ٥٠٠ متر، لا يستطيع الإنسان أن يرى شيئًا، لكن الإكتيوصور سيكون قادرًا على رؤية الأشياء المتحركة.» (مجلة نيتشر، المجلد ٤٠٢، صفحة ٧٤٧).
في مطلع العصر الجوراسي، انضمت البليزوصورات والبليوصورات إلى الإكتيوصورات التي ازدهرت حتى نهاية العصر الطباشيري منذ حوالي ٦٥ مليون سنة. وقد كانت مرتبطة بشدة، مع أنها لم تبدُ كذلك؛ فالبليزوصورات كانت لها أعناق طويلة، ورءوس صغيرة، وأجسام رشيقة. في حين أن البليوصورات كانت لها أجسام ضخمة، وأعناق قصيرة، ورءوس كبيرة، وكان كلاهما يسبح باستخدام زوج كبير من المجاديف.
وكانت الأعناق الطويلة سمة جوهرية في بيولوجيا البليزوصورات، والتي كان من الممكن أن تكون أطول من بقية الجسم والذيل معًا في أقصى الحالات؛ إذ يحتوي عنق الإيلاسموصور على ٧٢ فقرة؛ أي أكثر من أي حيوان آخر سمعنا عنه. يقول نوي: «تختفي الحيوانات البحرية طويلة العنق بانقراض البليزوصورات؛ فهذه الطريقة في العيش لم تعد موجودة.» غير أن الأعناق الطويلة كانت عاملًا جوهريًّا لقصة نجاح البليزوصورات في البقاء.
ولعلها كانت تستخدم أعناقها الطويلة في التسلل تحت أسراب الأسماك التي كانت تنعكس ظلالها مقابل السماء، كما يشير خبير الزواحف البحرية مايك إيفرهارت بمتحف ستيرنبرج للتاريخ الطبيعي بمدينة هايز، ولاية كانساس. ويقول إيفرهارت: «كانت البليزوصورات تقترب من بقعة عمياء من أسفل الأسماك أو من ورائها، حيث لا تتسنى للأسماك رؤيتها جيدًا. وعندئذ تلتهم البليزوصورات ما تطوله قبلما ينتبه السرب.» وبعد أن كشفت محتويات معدة البليزوصورات أن الأسماك كانت فريسة أساسية، أصبح هذا التفسير مقبولًا بدرجة كبيرة.
غير أن ليزلي نوي أشار مؤخرًا إلى أن البليزوصورات من الكائنات التي تميل إلى التغذية القاعية؛ ووفقًا لهذا السيناريو، كانت رأس البليزوصور ذات الأسنان الوتدية تفتش عن فريسة في قاع البحر بينما كان جسدها يطفو بأعلى (جورنال أوف فيرتبرت بليانتولوجي، المجلد ٢٦، صفحة 105A). عزَّز هذه الفكرةَ الاكتشافُ الذي حدث عام ٢٠٠٥ بولاية كوينزلاند بأستراليا، حيث عثر كولين ماكهنري — من جامعة نيوكاسل بولاية نيو ساوث ويلز — على مِعَد بليزوصورات مليئة بلافقاريات القاع (مجلة ساينس، المجلد ٣١٠، صفحة ٧٥). ويعتقد ماكهنري أن كلا التفسيرين صائب، فيقول: «العنق الطويلة آلية رائعة متعددة الأغراض للحصول على الطعام؛ فهي تتيح للحيوان السباحة في العمق والتقاط ما يشتهي من الطعام، لكنها أيضًا تمنحه خفة الحركة لاقتناص الأسماك والحبار.»
ومع أن طول البليزوصور يمكن أن يصل إلى ١٤ مترًا، فإن أعناقها تستحوذ على الكثير من هذا الطول. وبصفة عامة، بدت البليزوصورات ضئيلة أمام البليوصورات، تلك الحيوانات التي احتلت بلا منازع قمة الحيوانات المفترسة في بحار حقبة الميسوزوي.
وهناك بعض الخلاف حول أكبر البليوصورات حجمًا، لكن لا بد وأن حيوان البليوصوراس يقترب من أن يكون على رأس القائمة؛ فهو يُعرف من فكٍّ يبلغ طوله ٣ أمتار عُثر عليه في أكسفوردشير بالمملكة المتحدة. ويُقدِّر ليزلي نوي أن طول الحيوان كان يصل إلى ١٨ مترًا. ويقول نوي الذي وصف العينة في عام ٢٠٠٤: «يمكنك أن تضع ذراعك بداخل تجويف أسنانه، فهو ضخم للغاية.» (دورية بروسيدينجز أوف ذا جيولوجيستس أسوسييشن، المجلد ١١٥، صفحة ١٣). ويقدر أنه كان يزن حوالي ٣٠ طنًّا، وبالمقارنة كان يصل وزن تيرانوصور ركس كامل النمو ٧ أطنان فحسب.
عثر هوروم على بقايا متناثرة من البليوصورات ذات أحجام قريبة من ذلك الحجم في سبيتسبيرجين، اثنان منها — اللذان أُطلق عليهما «المفترس إكس» و«الوحش» — وصل طولهما إلى حوالي ١٥ مترًا. ويصل فك البليوصور البريطاني الضخم الذي أُعلن عنه هذا الأسبوع إلى حوالي ٢٫٤ متر؛ مما يجعله في نفس المرتبة مع «المفترس إكس»، لكن من المستبعد أنه كان ضخمًا مثل البليوصوراس نفسه.
ولم تكن البليوصورات ضخمة فحسب، بل كانت مُرْعِبة أيضًا؛ إذ تكشف محتويات معدة بليوصور أسترالي عاش قبل ١٠٠ مليون سنة — وهو من نوع كرونوصور — أنه قد أكل بليزوصور؛ طبقًا لما ورد عن أحد الأبحاث التي لم تُنشَر بعدُ لماكهنري. وتشير المقارنات التي عُقِدتْ بين الكرونوصور والتماسيح الحية، أن عضة الكرونوصور كانت أقوى من العضة المتوقعة من حيوان يتمتع بمثل هذا الخطم الطويل.
ولأسباب غير معروفة، اندثرت الإكتيوصورات والبليوصورات الضخمة قبل ٩٠ مليون سنة، لكن لم يمضِ وقت طويل حتى جرى ملء الفراغ الذي تركه دورها البيئي.
وكانت الموزاصورات سلالة جديدة من الزواحف البحرية تفرَّعتْ من سلالة الورل. وتعود معرفتنا بالموزاصورات إلى لحظة اكتشافنا للموزاصوراس، وسجلها الحفري مكتمل أكثر من بقية الزواحف البحرية الأخرى. وإنه لشيء فريد أننا أيضًا على دراية بالأشكال الانتقالية شبه المائية في قاعدة شجرة العائلة.
ولعل أفضل ما في هذه «الحلقات المفقودة» هو الهاسياصور الذي يعود إلى ٩٨ مليون سنة، والذي اكتُشِف بالقرب من رام الله بالضفة الغربية بفلسطين. يقول مايك بولسين من جامعة سوذرن ميثوديست بمدينة دالاس في ولاية تكساس الذي وصف الأنواع في عام ١٩٩٩: «في وسع الهاسياصور أن يتحرك على اليابسة بالسهولة نفسها التي يعيش بها في الماء.» (ناشيونال ساينس ميوزيم، طوكيو، مونوجراف، رقم ١٥، صفحة ٢٥٩).
استمرَّت هذه الموزاصورات الأولى في التطور إلى أشكال بحرية كاملة يصل طولها إلى ١٥ مترًا. وبدأ التشعب التطوري النهائي للوحوش البحرية، وكانت المنافسة على أشدها؛ فيقول إيفرهارت: «بدأت الموزاصورات تشتبك في قتال وحشي مع بعضها. فقد رأيت عظامًا مكسورة، وجماجم مسحوقة وعلامات عض ضخمة.» فالتيلوصور البالغ طوله ٥ أمتار الذي ينتمي إلى ولاية كانساس — والذي درسه إيفرهارت عام ٢٠٠٨ — كان قد لقي مصرعه إثر عضة هائلة في رأسه، والحيوان الوحيد القادر على إحداث مثل هذه الإصابة هو موزاصور أضخم، كما يقول إيفرهارت (دورية ترانزأكشنز أوف ذا كانساس أكاديمي أوف ساينسس، المجلد ١١١، صفحة ٢٥١).
وقد أظهرت آخر الموزاصورات اتجاهًا تطوريًّا مثيرًا؛ إذ يقول يوان ليندجرين من جامعة لوند بالسويد: «كانت الموزاصورات البدائية مخلوقات نحيلة تلوي أجسادها مثل ثعبان البحر. وبمرور الوقت، تيبَّست أجسادها، وفي نهاية المطاف صارت تسبح بأذيالها فحسب، مثل أسماك القرش.» ووصلت هذه العملية إلى ذروتها مع البلوتوصورات، أكثر الموزاصورات التي سمعنا عنها تطورًا. وفي مثل مذهل على التطور المتقارب، طورت البلوتوصورات أجسامًا تشبه أجسام الإكتيوصورات (دورية ليثايا، المجلد ٤٠، صفحة ١٥٣).
وتمنحنا البلوتوصورات البالغ طولها ثمانية أمتار — التي لم نعرفها سوى منذ آخر العصر الطباشيري — فكرةً عن الطريقة التي كانت ستتطور بها الموزاصورات، لو أنها لم تنقرض.
وبنهاية العصر الطباشيري، انضمَّت الموزاصورات، والبليزوصورات، والبليوصورات إلى الديناصورات، حيث أخذت كل منها دورها في قائمة انقراض جماعي آخر. فيقول نوي: «احتلت الزواحف البحرية العظيمة قمة سلسلة غذائية طويلة انهارت قبل ٦٥ مليون سنة؛ إذ لم يعد هناك القدر الكافي من الطعام لإبقائها على قيد الحياة.»
كان للوحوش البحرية زمنها الذي ازدهرت فيه. لكن الفراغ الذي خلفته كان في حاجه إلى ملئه، وبعدها بعشرة ملايين سنة، نزل حيوان الباكسيتوس — أحد الثدييات آكلة اللحوم الذي كان يشبه الذئب بعض الشيء — في محاولة تجريبية إلى المياه، وهكذا بدأ غزو البحار مرة أخرى، لكنَّ لهذا الشأن قصةً أخرى.
أصول الزواحف البحرية
وحوش الأعماق: على مدار حقبة الميسوزوي، كان يهيمن على البحار زواحف بحرية ضارية، وصل حجم بعضها إلى حجم أكبر الحيتان الموجودة في عصرنا، وحجم الزواحف البحرية المعاصرة ضئيل للغاية مقارنة بها.
غالبًا ما تُوضَع الزواحف البحرية في نفس الفئة مع الديناصورات، لكنها فرع منفصل في شجرة العائلة على غرار التيروصورات الطائرة. ولعل أشهرها الإكتيوصورات والبليزوصورات الشبيهة بالدولفين، والتي تبدو مثل وحش لوخ نيس الخرافي. لكن تطورت مجموعات أخرى عديدة على مدار حقبة الميسوزوي (قبل ٢٥١–٦٥ مليون سنة)، وأبرزها البليوصورات والموزاصورات. وانقرضت الإكتيوصورات منذ حوالي ٩٠ مليون سنة، بينما اندثرت الأخريات مع الديناصورات.
مجلة نيو ساينتيست، المجلد ٢٠٤، العدد ٢٧٣٢، الصفحات ٣٢–٣٥
٢٧ أكتوبر ٢٠٠٩
٢٧ أكتوبر ٢٠٠٩
No comments:
Post a Comment