يشير تايلر كوين إلى بعضٍ من أعمالي في مقاله بصحيفة «ذا نيويورك تايمز» حول التوقعات المتضائلة بنموٍّ كبيرٍ في اقتصاديات الأسواق الناشئة. ومن المصادفة أن مؤسسة «جلوبال سيتيزن فاونديشن» حديثة العهد قد نشرت لتوِّها بحثي الأكثر أهميةً حول هذا الموضوع، والذي يحمل عنوان «ماضي النمو الاقتصادي وحاضره ومستقبله».
ثمة الكثير في هذا البحث، لكن الجزء الذي أرى أنه جديد بحقٍّ هو التمييز ما بين محرِّكَيْن مختلفَيْن للنمو، أُطلِق عليهما قناتا «الأساسيات» و«التحول الهيكلي»، وهما ليسا بالمصطلحين المذهلين، لكن تحلَّوا بالصبر معي بعض الوقت حتى تَرَوا ما أرمي إليه.
أشير بلفظ الأساسيات إلى تنمية الإمكانات الأساسية في شكل المؤسسات ورأس المال البشري. يعتمد النمو طويل المدى في نهاية المطاف على تراكم هذه الإمكانات؛ كل شيء بدءًا من التعليم والصحة، ووصولًا إلى أُطُر عمل تنظيمية مطورة وحوكمة أفضل.
وأتصوَّر بالتحول الهيكلي ميلاد صناعات جديدة (ذات إنتاجية أعلى) وانتشارها، وانصراف العمالة عن الأنشطة التقليدية أو الأقل إنتاجية إلى الأنشطة الحديثة. وباستثناء مصادر الثروة طبيعية المورد، غالبًا ما تنتج على الدوام معدلات نمو مرتفعة على نحوٍ غير عادي عن التحول الهيكلي السريع، ولا سيما التصنيع.
والإمكاناتُ الأساسية متعددةُ الأبعاد، وتكاليفُ إنشائها مرتفعةٌ، وتبدي أوجهًا للتكامل. وعليه يميل الاستثمار فيها إلى أن يسفر عن أرباح نمو زهيدة، ريثما يتراكم فعليًّا نطاق متَّسِع بما يكفي من الإمكانات؛ أيْ حتى مرحلة متأخرة نسبيًّا من عملية النمو. والنمو الذي يقوم على تراكم الإمكانات الأساسية هو نشاط بطيء ممتد.
من ناحية أخرى، تتحقَّق معجزات النمو من خلال حقيقة أن التصنيع يمكن أن يحدث في وجود مستوى منخفض من الإمكانات الأساسية؛ فالاقتصاديات الضعيفة يمكنها أن تمر بتحوُّل هيكلي حتى عندما تكون المهارات بليدة والمؤسسات ضعيفة. تساعد هذه العملية في تفسير الانطلاق السريع لبلدان شرقي آسيا في فترة ما بعد الحرب، بدءًا من تايوان في أواخر خمسينيات القرن العشرين، ووصولًا إلى الصين في أواخر سبعينيات نفس القرن. ينبع تشاؤمي بشأن توقعات نمو مرتفع في المستقبل من شَكِّي في أن التصنيع السريع سيكون أقل نجاحًا بكثير في العقود القادمة، لأسبابٍ تتعلق بالتكنولوجيا، وتغيُّر طبيعة الأسواق العالمية، وأنماط الطلب.
تتداخل السياسات المطلوبة لتجميع الإمكانات الأساسية وتلك المطلوبة لتعزيز التحوُّل الهيكلي على نحوٍ طبيعيٍّ، لكنها مستقلة. تقتضي الأنواع الأولى من السياسات نطاقًا أوسع بكثير من الاستثمار في المهارات، والتعليم، والقدرة الإدارية، والحوكمة؛ أما الأنواع الثانية فيمكن أن تتَّخِذ شكل تدابير موجَّهة أضيق نطاقًا. وبدون بعض ملامح حماية حقوق الملكية واستقرار الاقتصاد الكلي، لا يمكن أن تظهر صناعات جديدة. لكن ليس على بلد ما الوصول إلى مستوى الجودة المؤسسية للسويد كيما يتمكَّن من التنافس مع المصنِّعين السويديين في الأسواق العالمية في الكثير من الصناعات.
علاوةً على ذلك، كما أناقش في البحث، كثيرًا ما يتطلَّب تعزيزُ صناعات جديدة سياساتٍ بديلةً غيرَ تقليديةٍ تتعارض مع الأساسيات، وعندما تنجح السياسات غير التقليدية، فإنما تنجح تحديدًا لأنها تعوِّض أوجه الضعف في هذه الأساسيات.
وها هنا مصفوفة ٢ × ٢ تلخِّص أنماط النمو وفقًا لقوة هاتين الديناميكيتين:
وها هنا مصفوفة ٢ × ٢ تلخِّص أنماط النمو وفقًا لقوة هاتين الديناميكيتين:
أترُكُ هذا كتمرينٍ للقرَّاء لاستكشاف أي أجزاء من العالم (وفي أيِّ وقتٍ) تناسب ما هو مذكور في الجدول.
No comments:
Post a Comment