Sunday, January 26, 2014

مي زيادة : إلى حفيد عبد القادر: من الآنسة مي - جريدة المحروسة‏ ٥ أغسطس ١٩٢٠


اسم الأمير عبد القادر الجزائري اسم نتلقنه نحن أبناء سوريا أطفالًا مع الكلمات الأولى، ونلثغ في لفظه متمهِّلين كما تداعب شفتا الرضيع حروف الأسماء المحبوبة، فيمثل ذكره لمخيلتنا جناحًا كبيرًا يخيِّم علينا بألوان قوس قزح، ثم نشبُّ وتتسع المدارك منا باتساع المعرفة فتبدو لنا فروق الجنس والعقيدة والدرجة القائمة بين البشر، وإذ يتصل بنا أن الأمير عبد القادر هو «حامي النصارى» تتضح عواطفنا الموجهة إليه ونجلُّه لأنه أجار جماعة وأبعد عنها الأذى، ويصبح جناح ذكره مخيمًا بألوان حارة من الشعر والخيال تلازم عادة صور النخوة والشهامة، ثم نجتاز من الحياة أعوامًا أخرى نعرف خلالها أن التاريخ الحقيقي هو غير التواريخ المقبولة، وأن الأسباب المسلَّم بها في الثورات والقلاقل هي غير السبب الجوهري، ونعلم أن الفروق بين بني الإنسان سطحية على عمقها، وأن الأعاظم منهم يقطنون عالمًا سما فوق الطوائف والأحزاب والتعصبات والدرجات، عالم الجامعة الإنسانية الشاملة.
يومذاك نقدر الأمير عبد القادر حق قدره، ونُجِلُّ خلقه، ونرفعه على عرش معنوي خالد هِيئَ له، ليس لأنه حمى النصارى فعزز برعايته كرامة الإسلام — وما الإسلام والمسيحية سوى أخوة رضية في حضن الرحمن — بل لأنه بطل من أبطال تلك الجامعة الإسلامية العليا، إذ ذاك يزيد نجاح ذكره انبساطًا وروعة لأنه تلون بألوان المجد والفخار، فيفعل ما تفعله الأمم بأبطالها؛ أي أننا نحول اسمه إلى أبسطه تجردًا من الألقاب ويغدو في عرفنا «الجزائري الكبير».
ولا أخالك لائمي — يا صاحب السمو — إن أنا صرَّحت بأن أول ما وقع عليه نظري من رسالتك هو ذلك الاسم العظيم الذي تلا توقيعك، ولا أراك إلا باسمًا إن أنا اعترفت بأني ابتسمت له، ثم قرأت سطورك الجلية فوجدتها — ما ينتظر أن تكون — مصداقًا لذلك المبدأ العلمي القائل إن الموتى يحيون في ذراريهم بمميزاتهم وشمائلهم الباهرات، وظهرت لي كلمات تشجيعك آيات كرم ملونة هي الأخرى بألوان قوس قزح، وبألوان الشعر والخيال، وبألوان المجد والفخار جميعًا، وكل ما يجول في نفسي من شكر يتجمع بداهة في هذا الهتاف الواحد: فليحيا الجزائري الكبير كبيرًا بأحفاده كما هو كبير بفعاله!

No comments:

Post a Comment