بما أني لست معلِّمًا، فإنني أتوخى الحذر في إبداء النصيحة التربوية (أعتقد أن قاعات الدراسة أماكن أكثر تعقيدًا مما يمكنني أن أتخيل). لكن أتمنى أن يقرأ كثيرٌ من المعلمين مقال جينيفر إل روبرتس أستاذ تاريخ الفن بجامعة هارفرد، والمقتبَس من كلمة ألقتها في مؤتمر تعليمي في وقت سابق من هذا العام. تبدأ روبرتس كلمتها بالإشارة إلى تحوُّل حديث في طريقة تخطيطها لدروسها:
خلال السنوات القليلة الماضية، بدأتُ أشعُر بحاجتي إلى أن أقوم بدور أكثر فاعلية في تشكيل الخبرات «الزمنية» للطلبة في المقررات الدراسية التي أدرِّسها؛ بمعنى أنني أثناء قيامي بعملية تخطيط منهجٍ بعينه، لا أحتاج فقط إلى اختيار القراءات وانتقاء الموضوعات وتنظيم تسلسُل المادة فقط، بل وأحتاج كذلك إلى هندسة «سرعة» و«إيقاع» خبرات التعلُّم بإتقان ووضوح. متى سيعمل الطلاب بسرعة؟ ومتى سيعملون ببطء؟ ومتى يُتوَقَّع منهم تقديمُ إجابات تلقائية؟ ومتى يُتوَقَّعُ منهم استغراق وقت في التفكير على مستوى أعمق؟
وتضرب روبرتس مثالًا رائعًا للكيفية التي تتبعها في إجراء هندسة الخبرات التي تقع «على الطرف البطيء من مقياس الإيقاع هذا»:
في كل مقررات تاريخ الفن التي أُدرِّسها — سواء لطلاب المرحلة الجامعية أو لطلاب الدراسات العليا — أنتظر من كل طالب أن يكتب بحثًا مُفَصَّلًا حول عمل فني واحد من اختياره. وأول شيء أطلب منهم فِعلَه في عملية البحث هو قضاء وقت طويل جدًّا في النظر إلى العمل موضوع البحث. لنَقُل إن طالبًا أراد استكشاف العمل المشهور في الأوساط العامة باسم «الصبي والسنجاب»؛ اللوحة المرسومة في بوسطن عام ١٧٦٥م بريشة الفنان الشاب جون سينجلتون كوبلي. هكذا قبل البحث في الكتب أو على الإنترنت، أنتظر من الطالب أولًا أن يذهب إلى متحف الفنون الجميلة، حيث تُعرض اللوحة هناك، ويقضي ثلاث ساعات كاملةً في تأمُّل اللوحة، مدوِّنًا الملاحظات التي تطرأ على ذهنه، إضافة إلى الأسئلة والآراء التي تنبثق من هذه الملاحظات. تعمدتُ على نحو واضح أن أحدِّد هذه الفترة الزمنية لتبدو طويلة. أيضًا بيئة الأرشيف أو المتحف محورية بالنسبة للتمرين؛ إذ إنها تُبعِد الطالب عن بيئته وعوامل التشتيت اليومية.
في البداية، يرفض كثير من الطلاب الخضوع لمثل هذا التمرين العلاجي. فكيف يمكن أن يكون هناك حدث مهم ومعلومات تستحق ثلاث ساعات في هذه اللوحة الصغيرة؟ كيف يمكن أن تكون هناك أشياء تراها وتفكِّر فيها في عمل فني واحد تستحق ثلاث ساعات؟ لكن بعد أداء التمرين، لا يَنْفَكُّ الطُّلَّابُ يخبرونني أنهم يندهشون من الطاقات الكامنة التي أطلقتها هذه العملية … ما يوضِّحه هذا التمرين للطلاب هو أن مجرد «النظر» للشيء لا يعني أنك «رأيته»؛ فالقدرة على إبصار الشيء الآن لا تعني إدراكه فورًا. أو بوجه أعم قليلًا، حرية الوصول إلى معلومة ليست مرادفًا لتعلُّمها. فما يحوِّل حرية الوصول للمعلومات إلى تعلُّم هو الوقت والصبر الاستراتيجي.
رأيي بجدية: عليكم أن تقرءوا المقال بالكامل حتى وإن لم تكونوا معلِّمين، فستعرفون الخلفية الدرامية للوحة «الصبي والسنجاب» التي تقول روبرتس «إنها تجسيد للتمهُّل الذي رُسِمت من أجل أن تطيقه»، وتلمِّح إلى الكيفية التي «نُسِج بها الإدراك البشري — بدرجة ما — من خيوط التمهل والتأخر والانتظار.»
A Lesson in Strategic Patience by Nicholas Carr. Rough Type. November 3, 2013.
No comments:
Post a Comment