Wednesday, March 19, 2014

كارل زيمر : الهندسة الوراثية للحياة البرية


في أبريل الماضي، كتبت في مجلة ناشونال جيوجرافيك عن فكرة «إعادة الأنواع المنقرضة إلى الحياة» المثيرة للجدل. وخلال الخمسة أشهر التي مضت منذ ذلك الحين، لم تقع عيناي على أي أفيال ماموث أو أُسود سيفية الأسنان هائمة عبر ساحة منزلي الأمامية. إذا أصبحت فكرة «إعادة الأنواع المنقرضة إلي الحياة» يومًا حقيقةً، فإن ذلك لن يكون إلا قبل وقت طويل.
لكن ما «رأيته» على مدار الأشهر الخمسة الماضية هو نقاش جديد، وقد دار جزء من هذا النقاش حول التفاصيل الدقيقة ﻟ «إعادة الأنواع المنقرضة إلى الحياة». بعض الأشخاص منفتحون على احتمالات إعادة بناء جينومات وأجِنَّة الأنواع المنقرضة، ويجد بعض الأشخاص أن هذا الأمر ليس سوى تشتيت خاطف للأذهان عن العمل الحقيقي المتمثِّل في مكافحة موجة عمليات الانقراض الحاليَّة.
لكن هذا النقاش يتجاوز أفيال الماموث والأُسُود سيفية الأسنان؛ إذ إنها تدفعنا إلى التفكير في مسألة إلى أي حَدٍّ نستطيع — أو يتعين علينا — التلاعب في الحمض النووي للحيوانات والنباتات البرية. هذا السؤال ينطبق على الحيوانات المنقرِضة الهالكة بالإضافة إلى الحيوانات المهدَّدة بالخطر التي تسعى حثيثًا على طريق الانقراض. ومع التقديرات بأنه على الأقل من ١٥ إلى ٤٠ بالمائة تقريبًا من الأنواع البيولوجية ستنقرض فعليًّا بحلول عام ٢٠٥٠، فإن ذلك الطريق واسع بحق. أليس من المستحسن استخدام الهندسة الوراثية لحماية بعضٍ من هذه الأنواع؟
في عدد اليوم من مجلة نيتشر، تذهب مجموعة من علماء الأحياء المعنيين بالحفاظ على البيئة بهذا النقاش إلى آفاق أبعدَ كثيرًا؛ إذ يتحدثون عن اجتماع عقدوه الربيع الماضي في نيومكسيكو لمناقشة الكيفية التي سيدفع بها المُناخ المتغيِّر بعض الأنواع إلى الانقراض، والإجراء الذي يمكن اتخاذه إزاء ذلك.
على مدار سنوات قليلة مضت، جادل بعض علماء الأحياء المعنيون بالحفاظ على البيئة بأنه ينبغي علينا أن ننقل الأنواع البيولوجية إلى أماكن ترتفع فيها احتمالية بقائها على قيد الحياة. ومن ثَمَّ، إذا كانت درجة الحرارة في فلوريدا سترتفع جدًّا خلال الخمسين عامًا القادمة، مما يهدد بقاء شجرة بعينها؛ فلتُنقَل هذه الشجرة إلى فيرجينيا.
لكن، ماذا لو أن علينا نقل الجينات بدلًا من ذلك؟ هذا هو السؤال الذي تدارسه العلماء الذين حضروا اجتماع نيومكسيكو.
استند نقاشهم إلى حقيقة أن الحيوانات والنباتات قد طوَّرت جينات جعلتها تتأقلم مع البيئات التي تعيش فيها. فحين تُنقَل الأشجار إلى سهول أصابها الجفاف، قد يفضِّل الانتخاب الطبيعي جينات تساعدها على الاحتفاظ بمياهها. وحين تظهر مسبِّبات الأمراض، قد يفضل الانتخاب الطبيعي جينات تجعل الأجسام العائلة مقاوِمة للمرض، وإذا ما أصبحت فلوريدا أشبه بالبرازيل — على سبيل المثال — فقد تساعد الجينات البرازيلية الأنواع البيولوجية على البقاء على قيد الحياة في فلوريدا. (أما بالنسبة للجينات التي قد ننقلها للأنواع في البرازيل … حسنًا، هذا أمر من الصعب تحديده.)
لقد استفاد المزارعون ومربُّو الماشية من التنوُّع الجيني لقرون، وقد هجَّنوا سلالات مختلفة لخلق مجموعة من الصفات التي يرغبونها. أحيانًا، استخدم علماء الأحياء المعنيون بالحفاظ على البيئة عمليةَ التهجين كذلك للحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض.
على سبيل المثال، في فلوريدا أصبح مجتمع النمر الفلوريدي المتناقص يتوالد داخليًّا؛ ممَّا ترتب عليه تضاؤل في قدرة هذا النوع على التكاثر؛ فأدخل علماء الأحياء المعنيُّون بالحفاظ على البيئة ثمانيةً من نويع من أقارب النمور الفلوريدية يعيش في تكساس إلى ذلك المجتمع. وقد مضى اثنا عشر عامًا منذ أن جرى هذا التهجين، والآن أصبحت تجميعة الجينات الخاصة بهذا المجتمع تحتوي على تنويعات أكثر.
يُمكن أن تكون عملية التهجين مؤثرةً جدًّا، لكنها كذلك بطيئة وغير كفء؛ فهي تخلط قدرًا كبيرًا من الحمض النووي معًا بكثير من الطرق المختلفة، وبعد ذلك ينتقي المربُّون العناصر الهجينة التي تبدو الأمثل أداءً. وخلال العقود الأخيرة، أتاحت الهندسة الوراثية نقل جينات فردية من نويع إلى آخر، بل ومن نوع إلى آخر. وقد يكون من الممكن نقل الجينات إلى الأنواع البرية لمساعدتها على النمو. يشير العلماء الذين حضروا اجتماع نيومكسيكو إلى نسخ مختلفة من جين في سلمون قوس قزح المرقط — التي اكتُشِفت في وقت سابق من هذا العام — تساعد الأسماك على البقاء على قيد الحياة في المياه الدافئة. ومن الممكن نقل هذه النسخ إلى أنواع مختلفة من السلمون المرقط التي ستكون مهددة بفعل درجات حرارة الأنهار الآخذة في الارتفاع.
يطلق العلماء على الهندسة الوراثية للحياة البرية «التكيُّف الميسر». ورغم أنهم مستعدون لإعطائها اسمًا، فإنهم لا يرغبون في الانطلاق في هذا المجال قبل الكثير من الدراسة؛ إذ إنهم يريدون التأكد من أن التكيُّف الميسر لا يسبب ضررًا للأنواع التي تقِف على شفير الانقراض بالفعل. ففي أغلب الأحيان، يؤدي الجين أكثر من وظيفة واحدة؛ ومن ثَمَّ، حتى إذا كان للجين المنقول أثر واحد مفيد، فقد تكون له آثار أخرى خطيرة.
كذلك يشعر العلماء بالقلق إزاء احتمالية أن يثبِّط التكيُّف الميسر طاقة مكافحة أسباب أزمة الانقراض الحالية. فإذا ما أخبرنا العلماء أن باستطاعتنا إجراء عمليات هندسة وراثية للبطاريق لتعيش في درجات حرارة دافئة، فمَن سيحتاج إلى فعل أي شيء إزاء تغير المناخ حينئذٍ؟
لكن حتى وإن أوقفنا تدفئة كوكب الأرض غدًا فستظل الأنواع المهددة بالانقراض تواجه أخطارًا أخرى، والتي قد تؤدي الهندسة الوراثية إلى تلافي بعضها. نحن الجنس البشري ننقل مسبِّبات الأمراض إلى جميع أرجاء الكوكب، جالبين أمراضًا جديدة إلى أماكن جديدة. لقد قَتَلَ فِطرٌ قادم من أوروبا ملايين الخفافيش في الولايات المتحدة دون أن يردعه شيء. فإذا ما استطاع العلماء تحديد السبب وراء عدم موت الخفافيش في أوروبا من هذا الفطر، فقد يتمكنون من إدخال هذه النسخة المختلفة من الجين إلى الخفافيش الأمريكية لتقاوم الفطر.
وإذا كان هذا الأمر يبدو كما لو أنه تفكير قائم على التمني، ففكِّرْ في حالة أشجار الكستناء الأمريكية. مثلما كتبت في مدونة «ذا لووم»، ثمة فِطرٌ آخر قد قضى تقريبًا على هذه الأشجار. لكن جينات مكافحة الفطر المأخوذة من نباتات أخرى تعيدها إلى الحياة مرة أخرى في الوقت الحالي.
سينتابني شعور بالفضول الشديد لرؤية الكيفية التي ستجري بها هذه المرحلة الجديدة من النقاش خلال الأسابيع القادمة. لكني كذلك آمل ألا يحيد هذا النقاش عن الحدود الأيديولوجية الآمنة.
قد يجادل معارضون بأن عملية نقل الجينات من كائن حي إلى آخر يُعتبر انتهاكًا لتنوع الطبيعة، لكن هذه نظرة رومانسية للحياة تعود إلى ما قبل ثورة الجينوم؛ إذ إن الجينات ما برحت تتدفق من أنواع إلى أخرى لمليارات السنين.
وقد يعتبر بعض مؤيدي الهندسة الوراثية هذا الأمر حلًّا سهلًا لأزمة الانقراض التي نواجهها، لكن حسبما أتوقع، لن تقدم الهندسة الوراثية أي إفادة في حالات عديد من الأنواع؛ حيث لا يمكنك تغيير جين بعينه لدى الأفيال لجعلها مقاوِمة للرصاص. وحتى في حالة الأنواع التي يمكن إنقاذها، لا يعرف العلماء سوى قليل جدًّا عن الجينات التي يمكنها إنقاذها. لقد بدأ العلماء في جمع القليل الذي يعرفونه عن التنوع الجيني للحياة معًا، لكنهم لا يزالون يخطون خطواتهم الأولى على ذلك الدرب، والوقت المتبقي أمام كثير من الأنواع لم يعد طويلًا للأسف.
Genetically Engineering the Wild by Carl Zimmer. The Loom. September 26, 2013.

No comments:

Post a Comment