لقد أدركت أنني لا أستاء من الطيران، وإنما من المطارات. وثمة أشياء كثيرة جدًّا يمكن أن نتعلمها من الأخطاء التي تُرتَكَب فيها:
(١) لا يوجد شخص مسئول؛ فالمطار لا يبدو أن له رئيسًا تنفيذيًّا، وحتى إن وُجِد، فلن تراه أو تسمع عنه أو تتعامل معه بأي شكل من الأشكال. فعندما يكون الرئيس لامباليًا، تنتقل تلك اللامبالاة إلى مرءوسيه.
(٢) المشكلات تظل قائمة؛ لأن المؤسسات تحمي دائرة نفوذها عوضًا عن احتواء المشكلة. فإدارة أمن وسائل المواصلات تلقي باللوم على مسئولي المرافق، الذين يلقون باللوم بدورهم على جهة أخرى، وهكذا دواليك. فلن تتغير الأمور إلا عندما تصبح مشكلة المستخدِم هي الدافع المحرِّك للسلوك (مقابل الحفاظ على السلطة أو على الوضع القائم).
(٣) الطعام موجَّه دون مواربة لشريحة السوق الوسطى (المتلاشية)؛ فالأشخاص الذين يحبون اللحم المطهو على البخار وأكياس البطاطس المقلية لا يواجهون أبدًا مشكلة في إيجاد طعام يتناولونه في المطار. فالظاهر أن البائعين الراغبين في تعظيم الأرباح لم يدركوا أننا جميعًا صرنا أغرب بكثير من ذي قبل.
(٤) على غرار الجامعات، تنظر المطارات إلى عميلها على أنه عابر سبيل مغلوب على أمره. فأنت سترحل غدًا، ولكنهم سيبقون.
(٥) بالقضاء على عامل التمهل في أداء العمل، تخلق شركات الطيران الفشل. فبغية زيادة الأرباح، تجتهد شركات الطيران لكي يقلع أكبر عدد ممكن من الرحلات على كل طائرة يوميًّا. نتيجةً لذلك، لا يكون ثمة احتياطات، ولا وقت تعطُّل، ولا مرونة. فشركات الطيران إذ تفترض أن قاعدة عملائها تفضِّل توفير المال لا القلق، تخلق نظامًا مشحونًا بالقلق.
(٦) إدارة أمن وسائل المواصلات تحكمها الخرافات لا الوقائع؛ فهي تتصرف دون استناد إلى بيانات، وتفتعل تمثيلية خطيرة إلى حد كبير وإن كانت في النهاية عديمة الجدوى. وبعد مرور عشرة أعوام، صارت تلك التمثيلية وضعًا قائمًا راسخًا، يزداد سوءًا باستمرار.
(٧) التصرف حسب الظروف ممنوع. فتخيل أن يأتي موظف في شركة الطيران بسلك تمديد ومُشتَرَك كهربي للتعامل مع حدث يتكرر يوميًّا هو تكدُّس المسافرين في الركن حول مقبس كهربائي واحد. هذا من المحال! فثمة نزوع إلى الدوام والتحسين، لا السرعة والفعالية.
(٨) الجميع يُعاملون بالطريقة ذاتها. والمؤسسات الفعالة تعامل الأشخاص المختلفين بأساليب مختلفة. ورغم محاولات تزيين الصورة عند الأطراف بعض الشيء (أقصد شركات الطيران من الدرجة الأولى الأسرع قليلًا وتخصيص عربات أوتوماتيكية لكبار السن أيسر استخدامًا بعض الشيء)، فبصفة عامة، تصرُّ شركات الطيران على أن المقاس الذي تختار أن تقدمه يناسب الجميع.
(٩) من المحتمل أن تحدث مفاجآت سيئة كثيرة، ولكن ليس ثمة مفاجآت سارة. فقد تُلغَى رحلتك، أو تتعرض للتفتيش بالتعرية، أو حتى تذهب للمطار الخطأ. ولكن كل احتمالات السرور قُضِي عليها. مع أن إحداث تحول تام في التجربة من كونها مهمة ثقيلة إلى تجربة سارة أمر لا يتطلب جهدًا كبيرًا.
(١٠) إنهم يفتقرون إلى القدرة على الإبداع وترك بصمة؛ فكل من يعبر البوابات لا يترك أثرًا، وكل صباح يبدأ كل شيء مجددًا. فليس ثمة صلات تربط بين الأشخاص، سواء الركاب أو طاقم العمل. فلا أحد يقول: «مرحبًا بعودتك» وهو تصرف صادق؛ إذ لا يشعر أحد أنه موضع ترحاب بصفة خاصة.
(١١) لا أحد يشعر بالابتهاج. فمعظم الناس الذين يعملون في المطارات تغلب عليهم سمات عمال المقابر بالضبط. فقد صارت المنظومة صناعية إلى حد أن صارت التعبيرات الشخصية ممنوعة فيما يبدو.
كما نرى في كثير من المؤسسات التي يئول بها الحال إلى ذلك، يخطئ المطار فَهْمَ سيطرته على السوق على أنها احتكار لا يدع أمام العملاء خيارًا آخر (ونحن لدينا خيار بالفعل، وهو أن نبقى في دارنا). وفي إطار سعي تلك المؤسسات وراء النتائج الموثوقة التي يمكن التنبؤ بها، فإنها تنزَع العامل البشري من كل شيء، متظاهرةً بأن ذلك سوف يزيد الأرباح، في حين أنه يفعل العكس تمامًا.
Eleven Things Organizations Can Learn from Airports by Seth Godin. Seth Godin’s Blog. January 27, 2013.
No comments:
Post a Comment