Thursday, February 20, 2014

مي زيادة : الحركة النسائية عندنا (3) - جريدة المحروسة‏ ٤ فبراير ١٩١٩




«إياك وكل جليس لا يفيدك علمًا ولا تصيب منه خيرًا.»
حكماء العرب
إذا اجتمع متعلم وجاهل لغرض من الأغراض فقد لا يشعران بما بينهما من الفروق لانشغالهما عن ذلك بأمر معين أو بموضوع يستفيد كلاهما من الاشتراك به، ولكن إذا أُرغِم الفريقان على السكنى معًا فلا يدوم الوفاق بينهما إلا بهبوط المتعلم إلى مستوى صاحبه الفكري ليكون التفاهم بينهما ميسورًا، وفي ذلك من سعة الصدر ما فيه، على أن الهبوط المتتابع من الفريق الواحد يؤذي ممارسه على غير علم منه في حين أنه لا يأتي الفريق الآخر بأدنى فائدة، فإذا سلَّمنا مع الباحثين أن المرء ابن وسطه؛ علمنا أهمية الوسط وعظمة تأثيره، ووجوب انتخاب الأفراد المُكوِّنة وسطَنَا ما سمحت لنا الظروف والممكنات، وعلمنا بالتبع سر ميل المرء إلى معاشرة جماعة دون جماعة، فإذا اهتم المرء المتعلم عندنا بتعليم المرأة، ورمى إلى تحريرها أدبيًّا واجتماعيًّا، وخطَّ لها طريقة الإصلاح والمعرفة متمنيًا رفعها إلى درجته المعنوية؛ فما هو إلا مُهيِّئ لنفسه وسطًا يلائم فكره العصري، ومستوًى تتوفر فيه أسباب التقدم له ولأبنائه جميعًا، ونفسًا تفهم رغباته، وعقلًا يستطيع عبور حد الأنانية الضيق ليشاركه في أفراحه وأحزانه ومعارفه وآماله، اقرأ هذا البيان الموجع من رجل كتب أهم ما كتب لإصلاح حال المرأة الوطنية:
«لقد تساوت النساء عندنا في الجهل مساواة غير محبوبة، ولا يظهر اختلافهن إلا في الملبس والحُلِيِّ، وكلَّما ارتفعت المرأة مرتبة في اليسر زاد جهلها، المرأة الفلاحة تعرف كل ما يعرفه الرجل الفلاح، مداركهما في مستوى واحد مع أننا نرى أن المرأة في الطبقة العالية أو الوسطى متأخرة عن الرجل بمسافات شاسعة؛ ذلك لأن الرجال في هذه الطبقات تربَّت عقولهم واستنارت بالعلوم ولم تتبعهم نساؤهم في هذه الحركة، بل وقفن في الطريق، وهذا الاختلاف هو أكبر سبب في شقاء الرجل والمرأة معًا.
فالرجل المتعلم يحب النظام والتنسيق في منزله، وله ذوق مهذب يميل إلى الأشكال اللطيفة والإحساسات الدقيقة والالتفاتات الرقيقة، يفهم بكلمة ويود لو يفهم بالإشارة، يسكت في أوقات ويتكلم في أخرى ويضحك في غيرها، له أفكار يحبها ومذهب يشغله وجمعية يخدمها ووطن يعزه، له لذائذ وآلام معنوية؛ فيبكي مع الفقير، ويحزن مع المظلوم، ويفرح بالخير للناس، وفي كل فكرة تتولد في ذهنه وإحساس يؤثر على أعصابه يود أن يجد بجانبه إنسانًا آخر فيشرح له ما يشعر به ويتسامر معه، فإذا كانت امرأته جاهلة كتم أفراحه وأحزانه عنها ولا يلبث أن يرى نفسه في عالم وحده وامرأته في عالم آخر، إذ هي تعتبر أن الرجل ما خُلِقَ في هذه الدنيا إلا ليشتري لها الأقمشة الغالية والجواهر النفيسة.
ومتى رأى الرجل امرأته بهذه المنزلة من الجهل احتقرها واعتبرها من الأعدام التي لا أثر لها في شئونه، وهي متى رأته أهمل وأغضى ضاق صدرها وظنَّت أنه يظلمها وبكت سوء حظها ونبتت البغضاء في قلبها، ومن ثَمَّ تبتدئ عيشة لا أظن أن الجحيم أشد نكالًا منها، عيشة يرى كل منهما فيها أن صاحبه هو العدو الذي يحول بينه وبين السعادة.»
وما قيل عن الزوجة يجوز قوله عن الأم والأخت والابنة، ولا تظن أن قاسم أمين وحده يتكلم بهذه اللهجة، فالمتذمرون كثيرون، وناشدو الإصلاح ما فتئوا يكتبون ويخطبون، وكلهم يريد المرأة حرة راقية ذات شخصية قائمة بنفسها تفرح بنور الشمس، وتتمتع بمسرات العلم مدركةً من الحياة غير القشرة الظاهرة والمعاني التافهة.
ففي صحيفة «السفور» و«المنبر» فصول محمودة مشكورة، وتكاد السفور لا تُصدِر عددًا من أعدادها إلا وفيه مقال أو مقالان عن المرأة ومنها، وتنتهز الصحف الأخرى والمجلات بعض الفرص لحث المرأة على التعلم وتشجيعها وتأييد حركتها، على أني عثرت على أبحاث ثلاثة ترسم المرأة كما هي الآن وتعين الذاتية النسائية كما يود الرجل أن تكون، والأبحاث التي أعني هي كتاب نقله أميل أفندي زيدان عن الفرنساوية، وفصل في حالة المرأة الوطنية الحاضرة نشر في مجلة «السفنكس» الإنجليزية، وخطاب ألقاه داود أفندي بركات في حفلة مدرسة الأمريكان للبنات بالإسكندرية، ففي الأول نرى موقف المرأة في العالم ورأي عَالِمٍ اجتماعي في ملكاتها وصفاتها وعيوبها، وفي الثاني تضيق دائرة الموضوع حتى تنحصر في المرأة المصرية والمتمصرة فنعلم كيف يرانا الأجانب ونقف على حكمهم علينا، وفي البحث الثالث نرى كيف يريد الرجل الراقي أن تكون المرأة، وما هو الدور الذي يحدده لها في الهيئة الاجتماعية والعيلة والأمة.
وسنرى تحليل هذه الأبحاث في الأعداد الآتية.

No comments:

Post a Comment