الكاتب السوداني حمور زيادة : الولايات المتحدة و المؤامرة

حين تنظر إلى أكثر دولة في العالم لها أعداء وتتعرض لتهديد ستجد انها الولايات المتحدة الأمريكية .. انها البلد الوحيدة التي لها في كل مكان في الأرض أعداء .. سواء حكومات أو أحزاب أو أفراد أو منظمات أو ارهابيون ! وهي المستهدف الأول لكل العمليات الارهابية سواء داخل أرضها أو في انحاء العالم ! ورغم ذلك تجد بها حرية اعلام واحترام لحقوق الانسان – يفوق على الاقل ما يحدث في دول خصومها – وحرية شخصية ودينية وسياسية الخ الخ الخ

بينما تنظر إلى دول اخرى تدعي خصومتها للولايات المتحدة فتجدها على العكس تماماً تتخذ هذه الخصومة – الحقيقية أو المدعاة – سبباً لقمع الحريات !
الولايات المتحدة ليست مقدسة .. فهي مرت بعهود القمع والشمولية والهوس الأمني مثلها مثل الجميع .. فترة المكارثية في أمريكا مثلاً أصبحت عنواناً لمحاكم التفتيش في العصر الحديث .. لكن أمريكا عرفت غلطتها وتراجعت .. بينما تجد من لا يستفيد من الدروس ويعتبر أن المكارثية أمر جيد يجب تجربته أو هو أول من يخترعة بحجة الضرورات الوطنية !
انظر إلى دولة مثل كوريا الشمالية تصرخ بالمؤامرات ضدها .. ما هو انجازها لذاتها أو للعالم ؟ التلفزيون الكوري الشمالي أذاع قبل أسابيع خبراً عن وصول أول انسان إلى الشمس على متن صاروخ كوري ! بالنسبة لمواطن كوريا الشمالية دولته وصلت إلى الشمس ونحن مجرد حمقى متأمرون عليه وعلى رئيسه المجنون العظيم ! هل تعتقد ان كوريا الشمالية حققت شيئاً مهماً ؟ ما قيمة أن يمتلك وطنك سلاح نووي تهدد به العالم وأنت خائف في بيتك ؟ كلنا نعرف قصة زوج عمة الرئيس الذي أعدم بتهمة عدم التصفيق بحماس في أحد الخطابات ! كوريا الشمالية بها اعتقال تعسفي ومعسكرات أعتقال واغتصاب واعدام بدون محاكمات ( يقال ان الاستماع لراديو كوريا الجنوبية جريمة عقوبتها الاعدام فوراً ) الخ الخ
لو كانت الحريات تهدد الأمن القومي لسقطت الولايات المتحدة الأمريكية منذ السبعينات ! بينما الواقع يخبرنا أن الشمولية فككت الاتحاد السوفيتي على حين نجت أمريكا !

دولنا الأفقر في الكوكب .. الأكثر بطالة .. الأكثر أمية .. ورغم ذلك نظن اننا مطمع للعالم وأن هناك دول لا تنام الليل تتأمر علينا ! بالله عليك ما هو السبب في أن يتأمر شخص عاقل على دولة ما نسبة الأمية فيها تزيد عن 40 % (نسبة الامية في الوطن العربي حوالي 27 % ) أو دولة نسبة الفقر فيها تزيد عن 80 % ويترك دولاً كنيوزيلندا أو النمسا ؟ لماذا لا يتأمر المتأمرون على هولندا ؟
لو كنت تعتقد انهم لا يتأمرون على هولندا لأنها تبعهم فانت ف الحقيقة تغريني بالتبعية !

اسرائيل دولة يتيمة في محيط معادي .. على الاقل من ناحية الشعوب .. ورغم ذلك لديها ديموقراطية .. ولديها صرف محترم على التعليم والصحة والبحث العلمي ! كم هو مقدار صرف الدول العربية مجتمعة على البحث العلمي ؟ ( في عام 2004 كان مجمل ما صرفته الدول العربية على البحث العلمي هو 0.3 % من دخلها مجتمعة .. بينما صرفت اسرائيل وحدها 4.7 % من دخلها القومي على البحث العلمي .. وتصرف اسرائيل حوالي 30 % من دخلها على التعليم العالي بينما يصرف السودان 70 % من دخله على الأمن والدفاع )

يا سيدي هناك مؤامرة حقيقية على دولنا .. نعم ! هذه المؤامرة هي الفساد والقمع والجهل والشمولية والطغيان !
تعذيب رجل شرطة لمواطن ( مجرم أو متهم أو مشتبه أو برئ ) في قسم شرطة دون محاسبة هو مؤامرة على الوطن !
اختلاس وزير أو ممارسته عمل تجاري وفساده دون محاسبة هو مؤامرة على الوطن !
حبس صحفي أو شاعر لمقال أو قصيدة، أو اعدام صاحب رأي ديني أو هضم حق أقلية دينية بالقانون والدستور هو مؤامرة على الوطن !
سوء توزيع الدخل وهضم حقوق العمال وعدم العدالة الاجتماعية هو مؤامرة على الوطن !
من كان يخشى على وطنه فليحرص على الديموقراطية والعدالة الاجتماعية والشفافية والمحاسبة والحريات.
فقبل أن تحدثني عن المؤامرة الخارجية على العراق أو اليمن أو مصر أو السودان أو ساحل العاج ( نعم رئيس ساحل العاج لوران جباجبو كان يعتبر ان هناك مؤامرة ضد بلاده لاسقاطه عن الحكم ) حدثني عن العدالة والديموقراطية والحريات في هذه البلدان .. ستعلم حينها ان المؤامرة مستمرة وحاكمة وغالبة !
تخيل لو كانت العراق دولة حرة بها ديموقراطية وتداول سلطة وحريات هل كانت أي مؤامرة يمكن أن تعرضها لغزو أو احتلال ؟