Wednesday, February 19, 2014

أتيش بهاتيا : هل يمكن صنع طائرات أكثر كفاءة؟ تجيب الفيزياء: كلا


أطلقت شركة بوينج مؤخرًا خط طائرات جديد — ٧٨٧ دريملاينر — والتي تدعي أنها تستهلك وقودًا أقل بنسبة ٢٠٪ من الطائرات الموجودة حاليًّا المشابهة لها في الحجم.
كيف حققت الشركة هذه الزيادة الكبيرة في كفاءة استهلاك الوقود؟ وهل يمكن صنع طائرات أكثر كفاءة في استهلاك الوقود؟ تخيل خبرًا افتراضيًّا يقول إن شركة منافسة صنعت نوعًا جديدًا من الطائرات يستهلك نصف كمية الوقود التي تستهلكها نظيراتها الحالية. هل ينبغي أن تصدق ادعاءها هذا؟
وبصورة أكثر عمومًا، هل تفرض قوانين الفيزياء أي قيود على كفاءة الطيران؟ يتضح أن الإجابة هي: نعم.
الرجل الطائر، بريشة بن هاين.
الرجل الطائر، بريشة بن هاين.
يوجد شيء ما في الطيران لا يتفق مع طبيعتنا، فلو لم نرَ أبدًا طائرًا يطير، لم يكن ليخطر على بالنا أبدًا صنع آلات طائرة بأنفسنا.
إليك ما أعتقد أنه مصدر عدم الاتفاق هذا: الأشياء تحتاج لأشياء تدعمها، فالأشياء تسقط ما لم تمنعها أشياء أخرى. فإذا أزلت أرض المنزل ستهوي لتلقى حتفك، لن ينفعك الهواء الموجود تحت قدميك بشيء، فنحن نتحرك عبر الهواء بسهولة لدرجة أننا بالكاد نلاحظ وجوده. إذن، ما الذي يُبقي الطائرة محلقة؟ لا يبدو أنه توجد «أشياء» كافية لإبقاء الطائر محلقًا، ناهيك عن طائرة بوينج، تزن ما يصل إلى ٥٠٠ ألف رطل. «لإيضاح ذلك الرقم السابق، فإنه أكبر من وزن حوت أزرق بالغ!»
فلماذا تطير الطائرات بينما لا تستطيع الحيتان الطيران؟ من السهل تقديم الإجابة، ولكن عواقبها مثيرة للدهشة للغاية. تطير الطائرات عن طريق دفع الهواء لأسفل. هذه هي الإجابة بصورة جوهرية، وإنها لنقطة شديدة الأهمية، لذا سوف أعيدها مرة أخرى: تطير الطائرات عن طريق دفع الهواء لأسفل.
عندما تندفع الطائرة عبر الهواء، فإنها تنحت أنبوبًا من الهواء، وتدفع الأجنحة الكثير منه لأسفل. فإذا دفعت كمية كافية من الهواء لأسفل بسرعة كافية، سوف تظل في الهواء، تمامًا كما تدفع القوة الدافعة السفلية الصاروخ لأعلى. مفتاح الطيران هو أنه ينبغي عليك أن تدفع الكثير من الهواء لأسفل (على غرار ما تفعله الطائرة الشراعية أو طائر القطرس)، أو تدفعه بسرعة كبيرة جدًّا (على غرار ما تفعله الطائرة المروحية أو الطائر الطنان).

دليل عالِم فيزيائي من خطوتين للطيران (إنه بسيط، حقًّا!)

دعونا نجعل هذه الفكرة كمية أكثر. سوف أصنع «نموذجًا توضيحيًّا» للطيران، متبعًا «كتاب ديفيد ماكاي الرائع» حول الطاقة المستدامة. وينبغي أن يكون النموذج الجيد ممتعًا للغاية بدرجة تساوي قيمة تكلفته، وذلك يعني أن تكون قادرًا على التنبؤ بالأمور الكمية ذات الصلة عن العالم الواقعي بينما تضع تخمينات في أضيق الحدود.
النماذج التوضيحية تخطئ، بريشة راندل مونرو، موقع XKCD.
النماذج التوضيحية تخطئ، بريشة راندل مونرو، موقع XKCD.

الخطوة ١: إزاحة أنبوب من الهواء

عندما تتحرك الطائرة، فإنها تنحت أنبوبًا في الهواء، كان هذا الهواء ساكنًا تمامًا حتى اصطدمت به الطائرة. وهذا يتطلب طاقة، للسبب نفسه الذي يجعل كفاءة سيارتك في استهلاك الوقود تنخفض عندما تزيد من سرعتها على الطريق السريع؛ إذ ينبغي للسيارة أن تدفع الهواء بعيدًا عن طريقها.
ما مقدار الطاقة الذي تتطلبه هذه العملية بالضبط؟ ربما تتذكر مما درسته في الفيزياء في المرحلة الثانوية أن توصيل مادة ذات كتلة m إلى سرعة معينة v يتطلب طاقة قدرها 1/2mv2.
وفي هذه الحالة، لدينا:الطاقة المستهلكة في إزاحة الهواء=١٢كتلة أنبوب الهواءسرعة الهواء المزاح٢=١٢كتلة أنبوب الهواءسرعة الطائرة٢
لا يزال هناك العامل الغامض لكتلة أنبوب الهواء. ولحل هذه المسألة، يمكننا استخدام إحدى المهارات المفضلة من صندوق أدوات الفيزيائي، وهي «إلغاء وحدات القياس». يمكننا إعادة صياغة الكيلوجرام المتواضع كناتج معقد ظاهريًّا لحدود المعادلات.
ما فعلناه هنا هو التعبير عن كتلة هواء غير معروفة باستخدام كميات أخرى نعلمها، وكل من حدود المعادلات هذه مفهوم. فالهواء الأكثر كثافة سيكون أثقل وزنًا، والطائرة الأكبر حجمًا (مساحة مقطع عرضي أكبر) تدفع هواءً أكثر بالضرورة، كما تفعل الطائرة الأسرع. وقد توصلنا لنتيجة مهمة بمجرد التلاعب بالوحدات. وكما قال راندال مونرو: «إلغاء وحدات القياس عملية غريبة.»
وإذا ما دمجت بين هاتين الفكرتين، فهذا ما ستصل إليه:الطاقة المستهلكة في إزاحة الهواء~سرعة الطائرة٣
وإليك رسمًا بيانيًّا لما يبدو عليه الأمر.
إذا كنت تتابع هذه الفكرة إلى الآن، فقد اكتشفنا للتو أنه لكي تتحرك الطائرة عبر الهواء، عليها أن تستهلك كمية من الطاقة تتناسب مع مكعب سرعة الطائرة. (يأتي العامل الإضافي v من حقيقة أن الطائرات الأسرع تزيح كميات أكبر من الهواء.) إذا أردت أن تطير بضعف السرعة، فعليك أن تعمل على إزاحة ثمانية أضعاف الهواء عن طريقك.
لقد وصلنا إلى قاعدة عامة حول فيزياء مقاومة الموائع، وينطبق الأمر على السيارة التي تسير على الطريق السريع، أو السبَّاح أو راكب الدراجة في سباق الدراجات. وهذا هو السبب في أن مقاومة سيارات السباق تستهلك جالونًا من الوقود لقطع مسافة ٠٫٠٥ ميلات! فإذا أردنا أن نقلل من إجمالي استهلاك السيارات للطاقة، فإن أحد الاختيارات المطروحة يتمثل في خفض حدود السرعة على الطرق السريعة.
ما الذي يعنيه هذا لنموذجنا التوضيحي للطائرة؟ يبدو أنه كلما كانت الطائرة أبطأ، كانت كفاءتها في استهلاك الوقود أعلى. إذن، هل من المناسب وضع حدود لسرعة الطائرات أيضًا؟ بالطبع لا. لمعرفة السبب، اقرأ النصف الثاني من القصة.

الخطوة ٢: دفع الهواء لأسفل

لكي تطير الطائرة، يجب أن تدفع الهواء لأسفل، وهذا يولد قوة الرفع التي تحتاجها الطائرة للبقاء محلقة في الجو. واتضح أنه يجب على الطائرات الأبطأ أن تدفع الهواء بصورة أقوى للبقاء محلقة، ولهذا يجب على الحمام والطيور الطنانة بطيئة الحركة تحريك أجنحتها بسرعة جنونية في الهواء، ولهذا السبب أيضًا تبسط الطائرات القلابات أثناء الهبوط؛ إذ إنها لا تدفع الهواء بسرعة كافية، لذلك تعوض هذا بدفع المزيد من الهواء.
أي إنه، على وجه التحديد، لكي تظل الطائرة في الجو، يجب أن تتناسب سرعة الهواء المدفوع لأسفل عكسيًّا مع سرعة الطائرة. (يمكنك أن تثق في قولي هذا، ومع ذلك، إذا أردت أن تعرف مصدر هذه المعلومة، يمكنك الاطلاع على كتاب ديفيد ماكاي.)
وبذلك يمكننا حل الجزء الثاني من اللغز، ما مقدار الطاقة اللازمة لدفع الهواء لأسفل؟ وكما حدث في السابق، يتم ذلك من خلال:الطاقة المستهلكة في دفع الهواء إلى الأسفل=١٢كتلة أنبوب الهواءسرعة الهواء لأسفل٢
وكما فعلنا تمامًا في الخطوة الأولى، دعنا نعبر عن ذلك من حيث سرعة الطائرة.سرعة الهواء إلى الأسفل~١سرعة الطائرةكتلة أنبوب الهواء~سرعة الطائرة
إذن:الطاقة المستهلكة في دفع الهواء لأسفل~١سرعة الطائرة
وإذا صغنا هذه المعادلات بالكلمات، فإن الطاقة المستهلكة في توليد قوة الرفع تتناسب عكسيًّا مع سرعة الطائرة، وإليك رسم بياني يوضح الأمر.
يمكنك أن ترى من الرسم أنه عندما يتعلق الأمر بقوة الرفع، فإن الطيران الأبطأ أقل كفاءة من الطيران الأسرع، لأنه عليك العمل بجهد أكبر لدفع الهواء لأسفل.
يوجد الكثير من الأمور التي تحتاج لاستيعابها في هذه النقطة؛ ولكن باختصار فقد اكتشفنا أنه لجعل آلة تطير، عليك استهلاك الطاقة (الوقود) بطريقتين.
(١) المقاومة: عليك أن تستهلك الوقود لدفع الهواء بعيدًا، وهذا يمنعك من الإبطاء.
(٢) قوة الرفع: عليك أن تستهلك الوقود في دفع الهواء لأسفل، وهذا ما يبقي الطائرة محلقة.
وإجمالي استهلاك الوقود هو مجموع هاتين العمليتين.
فإذا حلقت بسرعة كبيرة، سوف تستهلك كمية هائلة من الوقود في مقاومة الهواء (تخيل سيارات السباق أو طائرة إف ١٦)، أما إذا حلقت بسرعة بطيئة للغاية، سوف تضطر لاستهلاك كمية هائلة من الوقود لتوليد قوة الرفع، على غرار الطائر الطنان الذي يضرب بجناحيه بنشاط هائل، مدفوعًا بغذائه من الرحيق الغني بالسعرات الحرارية. وعلى أية حال، يوجد في قاع هذا المنحنى حد أدنى مناسب، سرعة مثالية تشكل حلًّا لهذه المقايضة، وهي السرعة التي تكون فيها الطائرة في أفضل حالة من كفاءة استهلاك الوقود. وسواء أكان ذلك بفضل براعة مهندسي الطائرات أم كفاءة عملية الانتخاب الطبيعي، التي لا تعرف الرحمة، فإن الطائرات والطيور غالبًا ما تكون مصممة لتكون على أفضل كفاءة ممكنة في استهلاك الطاقة.
وفيما يلي رسمًا يوضح بيانات استهلاك الطاقة لدى الطيور المختلفة مع اختلاف سرعة تحليقها.
ويمكنك أن ترى أنها تتوافق مع التنبؤات النوعية للنموذج التوضيحي.
ولكن يمكننا القيام بما هو أكثر من ذلك، فيمكننا التوصل لتنبؤات «كمية» من النموذج. فينبغي أن يكون الطالب الجامعي الدارس للتفاضل والتكامل قادرًا على التوصل إلى هذه السرعة «المثلى» الخاصة التي يكون فيها استهلاك الطاقة عند الحد الأدنى. ويحدد ديفيد ماكاي هذه الأرقام في كتابه، فيجد أن السرعة المثلى لطائر القطرس هي حوالي ٣٢ ميلًا في الساعة، وللطائرة بوينج ٧٤٧ حوالي ٥٤٠ ميلًا في الساعة. وهذان الرقمان قريبان على نحو ملحوظ من القيم الواقعية، فطائر القطرس يطير بسرعة ٣٠–٥٥ ميلًا في الساعة تقريبًا، وسرعة طيران الطائرة بوينج ٧٤٧ نحو ٥٦٧ ميلًا في الساعة.
وهذه أرقام هائلة من الأميال مقارنة بنموذج توضيحي!
ونتعلم من النموذج التوضيحي أن الطائرات لا ينبغي أبدًا أن يكون لها حدود للسرعة، وكل ما يطير — سواء أكان طائرًا أم طائرة معدنية — له سرعة مثالية، وإذا ابتعد عن هذه القيمة، سيكون عليه أن يدفع الثمن من الوقود. ربما يؤدي إبطاء سرعة السيارة إلى زيادة عدد الأميال التي تقطعها مستهلكة قدرًا محددًا من الوقود، ولكن بالنسبة للطائرة، إبطاء السرعة تكون له نتيجة عكسية.
وبعد هذا الفاصل الفيزيائي في عالم القطرس والطيور الطنانة والطائرات النفاثة، نعود إلى سؤال كفاءة استهلاك الوقود في الطائرة الجديدة التي أطلقتها شركة بوينج.
يمكنك بالفعل استخدام النموذج من أجل «التوصل» لكفاءة استهلاك الوقود في طائرة. وستجد أن هذا الأمر يعتمد حقًّا على بضعة عوامل: شكل الطائرة وسطحها وكفاءة محركها. ومن بين هذه العوامل، تلعب كفاءة المحرك الدور الأهم. ومن ثم، فقد نتوقع أن كفاءة المحرك وما يستتبعه من تحسينات في تصميم جسم الطائرة ربما تكون السبب وراء توفير الوقود في طائرة بوينج.
وهذا يتفق مع تقييم شركة بوينج نفسها.
استُخدمت محركات جديدة من تصنيع شركتي جنرال إلكتريك ورولزرويس في الطائرة ٧٨٧. إن التقدم في تكنولوجيا المحركات هو أكبر مساهم في تحسين كفاءة استهلاك الوقود الكلية.
وقد طُورت تقنيات وعمليات جديدة لمساعدة بوينج وشركائها الموردين في تحقيق هذا الإنجاز المتعلق بالكفاءة. فعلى سبيل المثال، تصنيع جسم الطائرة من قطعة واحدة أدى إلى التخلي عن ١٥٠٠ قطعة من رقائق الألومنيوم و٤٠ ألف إلى ٥٠ ألف أداة تثبيت.
مهما حاولنا، فلن نستطيع اعتصار الكثير من التحسينات من الطائرات، فالمحركات تتمتع بكفاءة كبيرة، ولا يمكنك بالتأكيد تقليص حجم الطائرة كثيرًا، وهو ما يمكن أن يؤكد عليه ركاب الدرجة الاقتصادية. ويمكن لتقنيات التصنيع الجديدة تقليل قدر المقاومة على سطح الطائرة، ولكن هذه التحسينات يمكنها زيادة كفاءة استهلاك الوقود بحوالي ١٠٪ فحسب.
وهنا «نقتبس» كلمات ديفيد ماكاي:
الطريقة الوحيدة لجعل استهلاك الطائرة للوقود أكثر كفاءة هي تركها واقفة على الأرض. لقد أدخلت تحسينات هائلة على الطائرات جعلتها أقرب ما تكون إلى المثالية، ولا توجد احتمالية لإدخال تحسينات كبيرة على كفاءة الطائرات.
فإذا كنا نتحدث عن تحسن بنسبة ١٠٪، فإن هذا ممكن، أما مضاعفة الكفاءة؟! أكاد أجزم أن ذلك لن يحدث.

ملحوظة

تستند هذه التدوينة إلى المادة العلمية التي تعلمتها من كتاب ديفيد ماكاي الواضح بشكل رائع: «الطاقة المستدامة – بدون الهواء الساخن» David MacKay (2009). Sustainable Energy-Without the Hot Air UIT Cambridge Ltd.الكتاب «متوفر على الإنترنت» مجانًا، وأنصح أي شخص يتطلع إلى استخدام الأرقام وفهم الطاقة بقراءته.
Can We Build a More Efficient Airplane? Not Really, Says Physics by Aatish Bhatia. Empirical Zeal. October 12, 2012.

No comments:

Post a Comment