حاولت في مقالي عن إعادة الأنواع المنقرضة للحياة في عدد شهر أبريل من مجلة «ناشونال جيوجرافيك» تصوير الجدل في المجتمع العلمي حول ما إذا كان يجب علينا محاولة إعادة الأنواع المختفية مرة أخرى إلى الأرض. وكان من المرضي بالنسبة لي أن أرى مثل هذا الحوار الحيوي الممتد مستمرًّا منذ ذلك الوقت. تثير إمكانية إعادة الأنواع المنقرضة للحياة قضايا مهمة يجب التعامل معها. فهل من الأفضل إنفاق المال على محاولة إحياء الماموث أم على تأمين رقعة شاسعة من الغابات المطيرة؟ هل الاعتراضات على إعادة الأنواع المنقرضة للحياة مدفوعة بفكرة خاطئة عما هو طبيعي؟ وهل من المنطقي أكثر استخدام الأدوات الناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية في منع الأنواع المهددة بالانقراض من الاختفاء، بدلًا من محاولة إعادة الأنواع المنقرضة للحياة؟
إلا أنني أحبطت بسبب عمود لجورج مونبيوت ظهر للتو في صحيفة «ذا جارديان» بعنوان «إحياء الماموث الصوفي أمر مثير لكنه خيال». خص مونبيوت مجلة «ناشونال جيوجرافيك» بالسخرية، قائلًا:
إن الصورة التي نشرتها «ناشونال جيوجرافيك» على صفحتين متقابلتين في شهر أبريل، ويظهر بها سياح في سيارات سفاري وهم يصورون قطيعًا من حيوانات الماموث الصوفية السيبيرية وهي تجوب السهول السيبيرية، هي محض خيال؛ فهذه الحيوانات ما هي إلا هراء.
ليس موقف مونبيوت هو ما يزعجني؛ ففي مقالي كتبت عن النقاد القساة لإعادة الأنواع المنقرضة للحياة تمامًا كما كتبت عن مؤيديها. فما يزعجني هو طريقة صياغته لحجته في البداية:
توجد مشكلة واضحة وكارثية فيما يتعلق بإعادة الأنواع المنقرضة للحياة ولكن كثيرًا ما يُغض الطرف عنها تمامًا.
عجبًا! واضحة وكارثية؛ وليست واضحة وكارثية فحسب، بل أيضًا كثيرًا ما يُغض الطرف عنها تمامًا! ترى ما هذه المشكلة التي عجز علماء الأحياء المعنيون بحفظ الأنواع وعلماء الأحياء الجزيئية الذين يعكفون على دراسة إعادة الأنواع المنقرضة للحياة عن ملاحظتها، ثم جاء مونبيوت — أخيرًا — ليكشف عنها النقاب؟
ها هي المشكلة:
إن مهمة الإحياء التي لا يكاد يصدقها أحد لا بد من إجرائها ليس مرة واحدة بل مئات المرات، في كل حالة باستخدام مادة من عينة مختلفة جيدة الحفظ على نحو فائق من الحيوان المنقرض. وإلا فإن التجمعات الحيوية الناتجة لن تكون صالحة جينيًّا.
حقًّا؟ هذا كل ما في الأمر؟
شعرت بعدم المفاجأة على الإطلاق من اكتشاف مونبيوت الكبير. هذا لأنني تحدثت عن هذا الموضوع بالضبط في مقالي منذ أربعة أشهر، مشيرًا إلى أن إحياء حيوان واحد يختلف عن إعادة نوع بأكمله.
إلا أنني لم أجرؤ على القول إنها مشكلة «كارثية»، لأنني ناقشت القضية مع العلماء الذين التقيت بهم. ستظن من قراءتك لعمود مونبيوت أن هؤلاء العلماء لم تكن لديهم أدنى فكرة عن هذه المشكلة. فأنا أتخيلهم وهم جالسون أمام شاشاتهم يقرءون اكتشافات مونبيوت ويضربون جباههم فجأة ويصيحون: «بالطبع! كم نحن أغبياء!»
إنك ستكون عالمًا غبيًّا حقًّا إن لم تكن مدركًا أن قدرة نوع ما على الحياة على المدى الطويل تعتمد على وجود تجمع سكاني صالح جينيًّا. فإذا كان التجمع صغيرًا ومكونًا من أفراد شبه متطابقين جينيًّا فحسب، فإنهم يتعرضون لخطر التزاوج الداخلي، مما يمكن أن يجعلهم غير أصحاء وعرضة للأمراض، بل قد يصل إلى إصابتهم بالعقم.
يدرك العلماء الذين يدرسون إعادة الأنواع المنقرضة للحياة هذا التحدي، وقد فكروا بالفعل في هذه المسألة، ولديهم أفكار عن كيفية التعامل معها. وما زلنا في حاجة لنقاش موسع حول ما إذا كانت هذه الأفكار ستنجح عمليًّا أم لا، لكن يبدو أن مونبيوت ليس على علم بها.
يقول مونبيوت إن إعادة الأنواع المنقرضة للحياة «لا يمكن» أن تنجح بأي حال من الأحوال، لأنها ستتطلب اكتشاف خلية كاملة لكل حيوان أو نبات مفرد يريد العلماء إنتاجه. توجد عدة أسباب لكون هذا الأمر خطأً؛ أحدها أن العلماء لديهم بالفعل التكنولوجيا اللازمة لعمل تنوع داخل النوع الواحد.
يوجد بالمتاحف — على سبيل المثال — المئات من الحمام الزاجل المحفوظ، وهذه الطيور ليست مستنسخة من بعضها. ومن خلال تتبع تسلسلات الحمض النووي الخاص بعدد من الحمام الزاجل، يستطيع العلماء معرفة التنوع الجيني لهذا النوع. وبناء على التجارب التي يجريها العلماء حاليًّا على الخلايا الحيوانية، يمكن أن نتخيل قدرة الباحثين على تصنيع متغايرات جينية ودمجها في جينوم حيوان منقرض. ومن خلال هندسة جينوم الحمام يستطيع العلماء إنتاج سرب يحتوي على بعض من سمات قابلية الحياة والنمو الجينية التي كانت موجودة قبل انقراض النوع.
إذا استطاع العلماء تخليق بضع عشرات من الحمام الزاجل المتنوع جينيًّا — أو ضفدع خلد الماء أو الذئب التسماني، أو أي حيوان من هذا القبيل — فإن السؤال يبقى مفتوحًا عما إذا كانت هذه المخلوقات تستطيع إنتاج تجمعات سكانية مستدامة. يبدو أن مونبيوت لا يحبذ فكرة استعادة التجمعات السكانية المنقرضة الصغيرة برمتها. فهو يشير إلى البيسون الأوروبي، الذي زاد عدده من ٥٤ حيوانًا إلى ٣٠٠٠، لكنه ما زال يعاني من مشاكل في التزاوج الداخلي.
لكن توجد المزيد من القصص المشجعة أيضًا. فأفيال البحر الشمالية تعرضت للتعقب والصيد حتى وصلت إلى مستوى التجمع السكاني نفسه، وأعدادها اليوم تصل إلى ١٦٠ ألفًا.
لكننا بهذا نحيد عن المسار الأصلي. فلم نعد نتكلم عن إعادة الأنواع المنقرضة للحياة، وإنما عن القضية الأوسع الخاصة بالتربية في الأسر. وثمة مناقشة أخرى مهمة علينا أن نخوضها حول ما إذا كنا سننقذ النمس الأسود القدمين وكندور كاليفورنيا، لكني أخمن أنها ليست بنفس مرح الصراخ «هراء»!
No comments:
Post a Comment