في أفريقيا، ما إن يرصد طائرُ زرزور رائعٌ نسرًا ويصدر نداءً تحذيريًّا، يصبح أي طائر زرزور على مرمى السمع في حالة تأهُّب قصوى. وينطبق هذا أيضًا على قرود الفرفت؛ فقد تعلَّمَت استراق السمع لنداءات طائر الزرزور لاكتساب معلومات إضافية عن التهديدات القادمة.
لا يقتصر ذلك على قرود الفرفت فحسب؛ فحيوانات كالنُّمُوس تستَرِقُ السمع إلى نداءات طيور أبي قرن، وتعمل طيور القرقف أسود التاج كحراس دون أن تشعر لما يصل إلى ٥٠ نوعًا من الطيور، وتستمع قردة الليمور إلى الأصوات الصادرة عن طيور الغابة. فيبدو أن مستَرِقِي السمع موجودون في كل مكان؛ فهم يتواجدون حتى داخل أمعائك.
تمثِّل أمعاؤك ملجَأ لعشرات التريليونات من الميكروبات التي تساعد في هضم طعامك، وتتحكم في جهازك المناعي، وتحميك من غزوات الجراثيم المسبِّبة للأمراض، وتتواصل هي الأخرى بعضها مع بعض لكن عبر مواد كيميائية بدلًا من الصوت.
على سبيل المثال، عندما تهدِّد المضادات الحيوية بكتيريا الأمعاء الإشريكية القولونية، فإن هذه البكتيريا تفرز مادة تُسمَّى الإندول تقوِّيها؛ فتحثها على إنتاج كميات ضخمة من مضخات جزيئية تستطيع طرد أي أدوية تدخل إليها، وتبدأ في بناء تكوينات لزجة تُسمَّى البيوفيلم من أجل تحصين نفسها من المضادات الحيوية القادمة. وربما الأهم من ذلك أن بعضًا منها يدخل في حالةٍ من السكون وعدم النشاط؛ وبما أن كل مضاداتنا الحيوية مصمَّمة لقتل البكتيريا النامية، فإن هذه الخلايا النائمة تخرج عن نطاق اكتشاف رادار المضادات الحيوية لها. ولأنها يصعب قتلها للغاية، يُطلَق عليها المثابرات.
اكتشفَتْ نيكول فيجا من جامعة بوسطن العلاقة بين الإندول والمثابَرة في العام الماضي، وأظهرت أن نوعًا آخَر من البكتيريا — وهي السالمونيلا التيفية الفأرية التي تُعَدُّ السبب الرئيسي للأمراض المتعلقة بالطعام — يستطيع استراق السمع من إشارات الإندول التي تُصدِرها بكتيريا الإشريكية القولونية.
لا تصنع السالمونيلا التيفية الفأرية أيَّ إندول خاص بها، ولكنها تستجيب لهذا المركب الكيميائي بنفس طريقة الإشريكية القولونية. وقد أظهرت فيجا — بمساعدة أماندا صامويلز — أن السالمونيلا التيفية الفأرية تصبح أكثر تحملًا لمضادات حيوية معينة بمعدل يفوق ثلاثة أضعاف قُدْرتها السابقة عند نموها بجانب الإشريكية القولونية. وقد حصلت هذه البكتيريا على هذه الميزة، فقط عندما استنبتت فيجا المزارع البكتيرية بالتربتوفان، وهي المادة التي تحتاج إليها الإشريكية القولونية من أجل صنع الإندول.
أُجرِيت هذه التجارب داخل قوارير زجاجية، لكن الفريق أيضًا تحدَّى البكتيريا في بيئة أكثر واقعية؛ وهي أمعاء دودة خيطية. فحشدت فيجا في الديدان قدرًا كبيرًا من بكتيريا السالمونيلا التيفية الفأرية والإشريكية القولونية، إما العادية أو السلالة المتحورة منها التي لا تستطيع صنع الإندول، وعندما أضافت بعد ذلك مضادًّا حيويًّا، وجدت أن السالمونيلا التيفية الفأرية تحمَّلَتْ هذا العقار بسهولة أكبر عندما كانت بجانب الإشريكية القولونية الصانعة للإندول، وليس السلالة المتحورة.
وبذلك تشبه السالمونيلا التيفية الفأرية قرود الفرفت وقردة الليمور في استقبالها للإشارات التي يُصدِرها نوعٌ آخَر من أجل ضمان بقائه؛ ولذا يكون استراق السمع واستقبال الإشارات على هذا النحو أمرًا شائعًا للغاية على الأرجح. فيُعَدُّ الإندول إشارة منتشرة بين البكتيريا، وربما يساعد أنواعًا مختلفة في التواصل مع بعضها. وفي الواقع، تقوم كلٌّ من الإشريكية القولونية والسالمونيلا التيفية الفأرية بهذا من خلال تفعيل المجموعة نفسها من الجينات، مما يشير إلى أنه حتى الأنواع التي فقدت القدرة على صناعة الإندول احتفظت بالآلية التي تحتاجها للاستجابة له؛ وهذا قد ينذر بوقوع مشكلةٍ لنا، حيث يسمح للبكتيريا الضارة بتحصين نفسها ضد أدويتنا، من خلال استراق السمع إلى الثرثرة الكيميائية لحلفائنا من الميكروبات.
No comments:
Post a Comment