أنشأ فريق من العلماء النمساويين والبريطانيين نماذج ثلاثية الأبعاد للدماغ البشري (الجنيني)، وأطلقوا عليها اسمًا غريبًا: «العُضَيَّات الدماغية». والآن إليكم توضيح لماهية تلك الأشياء، وما هي عليه وما هي ليست عليه إطلاقًا.
ما هو «العُضَيُّ الدماغي»؟
العُضَيُّ هو كرة من الخلايا ثلاثية الأبعاد تُستنبَت في المختبر وتحمل بعض سمات العضو الطبيعي. وفي الأعوام الأخيرة، خلَّق العلماءُ عضيات للأمعاء والكُلى والعينين. و«العضي الدماغي» هو الاسم الذي يُطلَق على صورتها الدماغية. وقد يُستخدَم هذا الاسم أيضًا على سبيل السخرية، وإن لم يكن ملائمًا لأن يُطلق على أحد روبوتات جايجر.
إذن فهو دماغ موضوع في جرة؟
إنه ليس دماغًا في جرة بالتأكيد. أخبرني يورجن كنوبليش — الذي ابتكر العضيات — أن ذلك الوصف مضلل للغاية. فالعضي يشبه الدماغ خلال الأسابيع التسعة الأولى من الحمل. وعلى الرغم من أنه يحمل بعض سمات الدماغ الطبيعي، فهو «لا يكوِّن أي شيء يشبه شبكة عصبية» — على حد قول كنوبليش؛ أي إنه لا يحس ولا يفكر أكثر مما يمكن لشظية من عظمة الفخذ أن تشرع في المشي.
ولكنه يشبه الدماغ بعض الشيء؟
أجل؛ تبدو العضيات كراتٍ بيضاء بحجم البازلاء، ولكنها ليست كتلًا من الأنسجة عديمة الهيكل. فهي تملك مناطق متمايزة تقابل مناطق في الدماغ البشري، مثل القشرة قبل الجبهية والحُصَيْن. وينمو في بعضها شبكية غير ناضجة، كما أنها تنتج الخلايا العصبية أيضًا على نحو سليم. وفي القشرة قبل الجبهية — شريحة الأنسجة الخارجية داخل الدماغ — تُصنَّع الخلايا العصبية بالأسفل ثم تنتقل إلى أعلى. ويحدث الشيء ذاته داخل العضيات.
إلا أن تلك المناطق ليست مرتَّبة كما قد تكون في دماغ جنين طبيعي، وهي لا تتواجد في أماكنها المعتادة بالنسبة إلى بعضها. وكما قُلت، فهي نموذج تقريبي للدماغ، ولكنها ليست دماغًا.
كيف تُصنَع؟
بسهولة غير متوقعة، وهذا هو الجزء اللطيف من القصة. فقد يُخيَّل إليك أن استنبات شيء ذي مناطق دماغية متمايزة يتطلب أن تنظم نموه بعناية، مضيفًا المكونات المناسبة في الوقت المناسب، أو ربما تجذبه وتشكِّله بواسطة ملقط دقيق.
ولكنك أخطأت؛ فقد صنعتها ماديلين لانكستر — عضو فريق كنوبليش — عن طريق إغراق تجمعات من الخلايا الجذعية في عناصر غذائية تحثها على إنتاج الخلايا العصبية، وغرسها في مادة هلامية بغية الدعم الهيكلي، ووضعها في حوض دوار حتى تحصل على كفايتها من الهواء والعناصر الغذائية. وهذا كل ما هنالك. فنمت العضيات وتجمَّعت من تلقاء نفسها. وقال لي كنوبليش: «يُثبِت ذلك قدرة الخلايا البشرية الهائلة على التنظيم الذاتي. فحتى أكثر الأعضاء تعقيدًا — الدماغ البشري — يمكن أن يبدأ في التكوُّن دون أي معالجة دقيقة.»
ما الغرض منها؟
دون وجود شبكات عصبية متطورة، لا يمكنك استخدامها لدراسة الوصلات التي يتضمَّنها الدماغ، أو لدراسة قدرات مثل صنع القرار أو الوعي. وإنما القصد منها أن تكون أدوات تُستخدَم في دراسة مرحلة النمو المبكر في الدماغ، والاضطرابات التي تخل بذلك النمو.
ألا يمكننا فعل ذلك عن طريق دراسة الحيوانات؟
إلى حد ما، ولكنَّ كثيرًا من اضطرابات النمو يصعب استنساخها لدى حيوانات كالفئران؛ لأن دماغها ينمو بطرق مختلفة عنا جذريًّا. فلننظر في حالة الصَعَل — وهي حالة ينمو فيها الناس بدماغ صغير. عمل فريق كنوبليش مع مريض أسكتلندي يعاني من الصعل، بسبب طفرات حدثت في جين يُدعَى CDK5RAP2 — وهو واحد من عدة جينات ذات صلة بذلك الاضطراب — فأخذوا بعض الخلايا الجلدية من المريض، وحوَّلوها إلى خلايا جذعية، ثم استخدموها في صنع عضيات … صارت في النهاية أصغر كثيرًا من المعتاد، وتمكَّنوا من معرفة سبب حدوث ذلك.
أما إذا أدخلت الطفرات ذاتها على جنين فأر، فسينمو دماغه إلى حجم أصغر قليلًا، ولكنه لن يدنو من تكرار إعاقة النمو البالغة ذاتها. ففي هذه الحالة، يكون العضيُّ نموذجًا أفضل لما يحدث لدى البشر. فهو مصنوع من جسد بشري على كل حال — إنه نموذج شخصي من الدماغ، أو شبه دماغ، أو ربما شبيه بالدماغ. أظنك فهمت القصد.
ليس معنى ذلك أن التجارب التي تُجرى على الحيوانات — أو على الأشخاص — صارت عديمة الجدوى فجأة؛ فالعضيات تنزع إلى أن تكون أداة لاختبار الفرضيات المتولدة عن دراسات أخرى.
هل يمكنكم يومًا أن تستنبتوا دماغًا كاملًا؟
أستبعد ذلك. فبادئ ذي بدء، العضيات ليس بها أوعية دموية؛ ومن ثم لا يمكنها أن تنمو لعرض يزيد عن بضعة ملليمترات قبل أن تبدأ الخلايا الوسطى في الموت جوعًا. وحتى إن تمكَّن الفريق من حل هذه المشكلة، فالدماغ البشري لا ينمو بمعزل عن بقية الجسد. فهو متصل بالعينين والأذنين والجسد. ومنذ مراحل مبكرة، يبدأ الدماغ في جمع المعلومات. فلن تحصل على دماغ سليم باستنبات كرة من الخلايا العصبية في غياب كل تلك الأشياء، مثلما لن تحصل على مكتبة بمجرد نصب مجموعة من الرفوف.
The Cerebral Organoid, a Lab-Grown Model Brain by Ed Yong. Not Exactly Rocket Science. August 29, 2013.
No comments:
Post a Comment