بقلم: أتيش بهاتيا
مجلة: إمبريكال زيل
في أعقاب المذبحة المأساوية التي شهدتها مدرسة ساندي هوك الابتدائية، دار الكثير من الجدل حول ما إذا كانت حوادث إطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة في ازدياد أم لا. تشير بعض المصادر إلى أن هذه الحوادث في ازدياد، بينما تشير مصادر أخرى إلى أن معدل حدوثها ثابت نوعًا ما.
مؤخرًا أجرت شبكة سي إن إن الإخبارية حوارًا مع ستيفن بينكر مؤلف كتاب «أفضل ملائكتنا: أسباب انحسار العنف»، وعندما سُئل هل تمثِّل حوادث مثل مذبحة ساندي هوك ارتفاعًا فعليًّا في حوادث إطلاق النار الجماعي، أجاب:
ليس واضحًا ما إذا كنا نشهد ارتفاعًا حقيقيًّا طفيفًا، أم أنه مجرد سلسلة من الأحداث الموزَّعة توزيعًا عشوائيًّا إلى حدٍّ ما، ولا بد أن نتذكر أن الأحداث العشوائية ستقع في سلاسل متكررة بمحض الصدفة؛ وعليه فلسنا على يقين ما إذا كان وقوع العديد من هذه الحوادث عام ٢٠١٢ يمثِّل توجهًا أم أنه عامُ شؤمٍ فحسب.
في هذا المقال أود أن أستخدم البيانات المتاحة على الإنترنت لأناقش هذه المسألة.
كتبت مؤخرًا تدوينة حول «العشوائية والأحداث النادرة»، وكان المغزى الرئيسي منها أن أوضِّح أن «العشوائية شيء والتجانس شيء آخر». على سبيل المثال، إذا كانت أسماك القرش تهاجم السباحين في المتوسط ثلاث مرات سنويًّا، فسيكون من باب المصادفة أن نشهد سنوات لا يتعرض فيها أي سباح للهجوم، وسنوات يهاجَم فيها سبعة سباحين. من وجهة نظرنا لا تبدو لنا سلسلة أحداث متتابعة كهذه عشوائيةً، لكن كما أوضحتُ في تدوينتي السابقة أننا عادة لا نصيب في الحكم على العشوائية، وعلى وجه الخصوص، نجد أننا نقلل كثيرًا من احتمال وقوع مثل هذه السلسلة المتتابعة من الأحداث. ولذا يكون السؤال: «كيف نتحقق من أن مجموعة من الأحداث عشوائية؟» إليك الطريقة: «ثمة صيغة تنبئك عدد المرات التي تتوقع فيها أن ترى نشوء سلسلة أحداث متتابعة من عملية عشوائية». يُطلق على هذه الصيغة «توزيع بواسون»، وهو يفترض أن الأحداث موضع الدراسة نادرة، ولها معدل متوسط ثابت، ومستقلة (بمعنى أنه يُرجَّح وقوعها في أي وقت). يمكنك عندئذٍ أن تقارن بين عدد سلاسل الأحداث المتتابعة المتوقَّعة، والعدد الفعلي لسلاسل الأحداث المتتابعة فيما لديك من بيانات، ثم تتحقق حسابيًّا مما إذا كانت مجموعة الأحداث عشوائية أم لا.
باختصار: إذا كانت حوادث إطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة تطابق توزيع بواسون، فذلك يشير إلى أن سلاسل الأحداث المتتابعة (السنوات التي تشهد ارتفاعًا استثنائيًّا في حوادث إطلاق النار) متوقَّعة بمقتضى الصدفة. أما إذا لم تتوافق البيانات مع توزيع بواسون، فذلك يشير إلى أنها تخل بأحد الافتراضات؛ إما لأن حوادث إطلاق النار الجماعي ليست مستقلة، أو أن معدل وقوعها آخِذ في التراجع، أو في الازدياد.
البيانات: حصلتُ على بيانات حوادث إطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة في الفترة ما بين عامي ١٩٨٢ و٢٠١٢ من مقال «ماذر جونز» الجامع عن إطلاق النار الجماعي، وقد استخدمت الأرقام التي أوردتها المجلة؛ إذ جمعوا البيانات من عدة مصادر موثوق بها، وحددوا بوضوحٍ المعايير التي استخدموها في تصنيف حادثة ما على أنها حادثة إطلاق نار جماعي.
توضِّح البيانات الواردة في المقال وقوع إجمالي ٦٢ حادثة إطلاق نار جماعي خلال ٣١ عامًا؛ أي متوسط حادثتين في العام، غير أن عام ٢٠١٢ كان الأكثر عنفًا؛ إذ شهد وقوع سبع حوادث إطلاق نار جماعي. هل هذه قيمة شاذة، أم أنك تتوقع اعتبار تتابع الأحداث بهذا الكم من قبيل المصادفة فحسب؟
للإجابة عن هذا السؤال، أحصيت السنوات التي لم تشهد حوادث إطلاق نار جماعي على الإطلاق، وتلك التي شهدت حادثة واحدة، وحادثتين، وهكذا …
في الرسم البياني الموضح أعلاه، تمثل الأعمدة الزرقاء الحالات المرصود فيها صفر، ١، ٢، ٣، ٤، ٥، ٦، ٧ حوادث إطلاق نار جماعي في السنة. على سبيل المثال، يخبرنا العمود الأزرق الطويل أنه كان هناك ثلاث عشرة سنة شهدت كلٌّ منها حادثة إطلاق نار جماعي واحدة. أما المنحنى المتقطع الأحمر فهو توزيع بواسون — أي النتائج المتوقعة من عملية عشوائية قيمتها المتوسطة تساوي ٢ كل عام.
مجلة: إمبريكال زيل
في أعقاب المذبحة المأساوية التي شهدتها مدرسة ساندي هوك الابتدائية، دار الكثير من الجدل حول ما إذا كانت حوادث إطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة في ازدياد أم لا. تشير بعض المصادر إلى أن هذه الحوادث في ازدياد، بينما تشير مصادر أخرى إلى أن معدل حدوثها ثابت نوعًا ما.
مؤخرًا أجرت شبكة سي إن إن الإخبارية حوارًا مع ستيفن بينكر مؤلف كتاب «أفضل ملائكتنا: أسباب انحسار العنف»، وعندما سُئل هل تمثِّل حوادث مثل مذبحة ساندي هوك ارتفاعًا فعليًّا في حوادث إطلاق النار الجماعي، أجاب:
ليس واضحًا ما إذا كنا نشهد ارتفاعًا حقيقيًّا طفيفًا، أم أنه مجرد سلسلة من الأحداث الموزَّعة توزيعًا عشوائيًّا إلى حدٍّ ما، ولا بد أن نتذكر أن الأحداث العشوائية ستقع في سلاسل متكررة بمحض الصدفة؛ وعليه فلسنا على يقين ما إذا كان وقوع العديد من هذه الحوادث عام ٢٠١٢ يمثِّل توجهًا أم أنه عامُ شؤمٍ فحسب.
في هذا المقال أود أن أستخدم البيانات المتاحة على الإنترنت لأناقش هذه المسألة.
كتبت مؤخرًا تدوينة حول «العشوائية والأحداث النادرة»، وكان المغزى الرئيسي منها أن أوضِّح أن «العشوائية شيء والتجانس شيء آخر». على سبيل المثال، إذا كانت أسماك القرش تهاجم السباحين في المتوسط ثلاث مرات سنويًّا، فسيكون من باب المصادفة أن نشهد سنوات لا يتعرض فيها أي سباح للهجوم، وسنوات يهاجَم فيها سبعة سباحين. من وجهة نظرنا لا تبدو لنا سلسلة أحداث متتابعة كهذه عشوائيةً، لكن كما أوضحتُ في تدوينتي السابقة أننا عادة لا نصيب في الحكم على العشوائية، وعلى وجه الخصوص، نجد أننا نقلل كثيرًا من احتمال وقوع مثل هذه السلسلة المتتابعة من الأحداث. ولذا يكون السؤال: «كيف نتحقق من أن مجموعة من الأحداث عشوائية؟» إليك الطريقة: «ثمة صيغة تنبئك عدد المرات التي تتوقع فيها أن ترى نشوء سلسلة أحداث متتابعة من عملية عشوائية». يُطلق على هذه الصيغة «توزيع بواسون»، وهو يفترض أن الأحداث موضع الدراسة نادرة، ولها معدل متوسط ثابت، ومستقلة (بمعنى أنه يُرجَّح وقوعها في أي وقت). يمكنك عندئذٍ أن تقارن بين عدد سلاسل الأحداث المتتابعة المتوقَّعة، والعدد الفعلي لسلاسل الأحداث المتتابعة فيما لديك من بيانات، ثم تتحقق حسابيًّا مما إذا كانت مجموعة الأحداث عشوائية أم لا.
باختصار: إذا كانت حوادث إطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة تطابق توزيع بواسون، فذلك يشير إلى أن سلاسل الأحداث المتتابعة (السنوات التي تشهد ارتفاعًا استثنائيًّا في حوادث إطلاق النار) متوقَّعة بمقتضى الصدفة. أما إذا لم تتوافق البيانات مع توزيع بواسون، فذلك يشير إلى أنها تخل بأحد الافتراضات؛ إما لأن حوادث إطلاق النار الجماعي ليست مستقلة، أو أن معدل وقوعها آخِذ في التراجع، أو في الازدياد.
البيانات: حصلتُ على بيانات حوادث إطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة في الفترة ما بين عامي ١٩٨٢ و٢٠١٢ من مقال «ماذر جونز» الجامع عن إطلاق النار الجماعي، وقد استخدمت الأرقام التي أوردتها المجلة؛ إذ جمعوا البيانات من عدة مصادر موثوق بها، وحددوا بوضوحٍ المعايير التي استخدموها في تصنيف حادثة ما على أنها حادثة إطلاق نار جماعي.
توضِّح البيانات الواردة في المقال وقوع إجمالي ٦٢ حادثة إطلاق نار جماعي خلال ٣١ عامًا؛ أي متوسط حادثتين في العام، غير أن عام ٢٠١٢ كان الأكثر عنفًا؛ إذ شهد وقوع سبع حوادث إطلاق نار جماعي. هل هذه قيمة شاذة، أم أنك تتوقع اعتبار تتابع الأحداث بهذا الكم من قبيل المصادفة فحسب؟
للإجابة عن هذا السؤال، أحصيت السنوات التي لم تشهد حوادث إطلاق نار جماعي على الإطلاق، وتلك التي شهدت حادثة واحدة، وحادثتين، وهكذا …
…
عدد حوادث إطلاق النار الجماعي في السنة | عدد السنوات |
---|---|
٠ | ٣ |
١ | ١٣ |
٢ | ٥ |
٣ | ٥ |
٤ | ٣ |
٥ | ١ |
٦ | ٠ |
٧ | ١ |
من بين بيانات الواحد والثلاثين عامًا، نجد أن عامًا واحدًا شهد سبع حوادث إطلاق نار جماعي، وثلاثة أعوام لم تشهد أي
حوادث على الإطلاق. هل تتوافق هذه القيم مع المتوسط الذي يبلغ حادثتين في العام؟
حوادث على الإطلاق. هل تتوافق هذه القيم مع المتوسط الذي يبلغ حادثتين في العام؟
لمعرفة ذلك، يمكننا أن نقارن هذه الإحصاءات بتوزيع بواسون الذي تبلغ فيه القيمة المتوسطة ٢.
في الرسم البياني الموضح أعلاه، تمثل الأعمدة الزرقاء الحالات المرصود فيها صفر، ١، ٢، ٣، ٤، ٥، ٦، ٧ حوادث إطلاق نار جماعي في السنة. على سبيل المثال، يخبرنا العمود الأزرق الطويل أنه كان هناك ثلاث عشرة سنة شهدت كلٌّ منها حادثة إطلاق نار جماعي واحدة. أما المنحنى المتقطع الأحمر فهو توزيع بواسون — أي النتائج المتوقعة من عملية عشوائية قيمتها المتوسطة تساوي ٢ كل عام.
عدد حوادث إطلاق النار الجماعي في السنة | عدد السنوات المرصودة | عدد السنوات المتوقعة (بواسون) |
---|---|---|
٠ | ٣ | ٤٫٢ |
١ | ١٣ | ٨٫٣٩ |
٢ | ٥ | ٨٫٣٩ |
٣ | ٥ | ٥٫٥٩ |
٤ | ٣ | ٢٫٨ |
٥ | ١ | ١٫١٢ |
٦ | ٠ | ٠٫٣٧ |
٧ | ١ | ٠٫١١ |
لكن بدلًا من الوثوق فيما نراه أمامنا، يمكننا استخدام الإحصاءات لمقارنة هذين المنحنيين؛ لذا استخدمتُ «اختبار مربع كاي» لرؤية ما إذا كان التوزيعان مختلفين تمام الاختلاف أم لا، فوجدت قيمة احتمالية (قيمة p) قدرها ٠٫٠٩. فما معنى هذا؟ يشير ذلك إلى أنه لا يوجد دليل قوي على تكرار وقوع الأحداث بدرجة تفوق ما يُتوقع من عملية عشوائية. بعبارة أخرى، يكون وقوع حوادث إطلاق النار الجماعي في الفترة ١٩٨٢–٢٠١٢ غير متسق مع افتراض أن حوادث إطلاق النار هي حوادث مستقلة، تحدث بمعدل حادثتين في العام. غير أن القيمة الاحتمالية ٠٫٠٩ ليست مرتفعة للغاية، وإذا نظرنا إلى سنة متطرفة أخرى مثل ٢٠١٢، فمن المرجح أن يستبعد ذلك افتراض كون حوادث إطلاق النار الجماعي حوادث عشوائية.
ماذا نستنتج من ذلك؟ إذا كانت حوادث إطلاق النار الجماعي عشوائية فعلًا، إذنْ يشير ذلك إلى أنها حوادث متطرفة يصعب التنبؤ بها، وربما لا تكون المقياس الأكثر صلة لإجمالي الضرر الناجم عن عنف استخدام السلاح. (هذا الادعاء الأخير هو استنتاجي الشخصي، وليس نتيجة للتحليل المذكور أعلاه. أردت توضيح هذه النقطة ردًّا على بعض التعليقات في موقع هاكر نيوز.) أتفق مع رأي ستيفن بينكر، ومع التحليل الذي طرحه كريس يوجن عندما قال:
لا يحتمل أن يسفر التركيز المحدود على منع جرائم إطلاق النار الجماعي عن تغييرات مفيدة أكثر من الجهود الأوسع نطاقًا للحد من جرائم القتل وأشكال العنف الأخرى. بالطبع باستطاعتنا — وعلينا — اتخاذ خطوات لمنع جرائم إطلاق النار الجماعي، غير أن هذه الجرائم النادرة والمروعة تشبه الأمراض النادرة الخطيرة؛ ويُفضَّل أن تكون استراتيجية مواجهتها في سياق التهديدات الأكثر شيوعًا وخطورة على صحة السكان.
إننا مضطرون إلى الالتفات إلى الأحداث المتطرفة، أو بكلمات ستيفن بينكر: «أن نقيِّم المخاطر بالأمثلة الحية التي نتذكرها.» لكن بقدر ما يجدر بنا محاولة منع وقوع هذ الجرائم المتطرفة البشعة، ينبغي ألا نستخدمها باعتبارها الأساس الوحيد لاستقاء الاستنتاجات التي نضع السياسة وفقها. إن القيم الشاذة جزء مأساوي من القصة بأكملها، لكننا أيضًا بحاجة إلى التركيز على باقي التوزيع.
No comments:
Post a Comment