Sunday, February 2, 2014

عز الدين شكري فشير : ست فرق ضالة وفرقة ناجية




المصري اليوم:

قلت إن طريقنا لبناء الدولة الجديدة هو بناء تيار ديمقراطى منظم، له رؤية واضحة لسياسات تنهض بأحوالنا، يفهمها الناس ويقبلونها. وسألت كيف تكون أغلبية الناخبين من الشباب، ومعظمهم من أنصار التغيير، ولا تترجم هذه الأغلبية إلى مقاعد فى البرلمان أو الرئاسة. فردت علىّ سبع فرق.
الفرقة الأولى سألتنى فى حنق: كيف تلومنا نحن؟ وهل يسمح لنا النظام بتنظيم صفوفنا أو العمل على الأرض؟ ألا ترى عودة القبضة الأمنية؟ أى تيار ديمقراطى ذلك الذى يمكن بناؤه وسط التشويه والتسريبات وانتهاك القانون والقمع؟ وأى ناس نتواصل معهم بعد شهور من الترويع والتشكيك فى كل شىء له علاقة بالثورة والتغيير؟ أعطنى إطارا ديمقراطيا سليما أعطك تنظيما للقوى الديمقراطية، أما فى وسط هذه الفاشية فلا تحدثنى عن التنظيم ولا الناس ولا السياسات ولا الشباب، فالشباب فى السجون يا دكتور.
الفرقة الثانية ردت ممتعضة: أى برلمان هذا الذى تتحدث عنه، برلمانات مبارك أم برلمان زينة يفصلونه على مقاسهم؟ ما تدعو إليه حضرتك هو العودة للعب داخل النظام، بقواعده التى لا تسمح بغير المعارضة الشكلية، ورفضنا لها هو الذى أتى بالتغيير، بالثورة والعنف لا بالبحث عن مقاعد فى برلمانات لا قيمة لها. لا طريق إلا الثورة. وإن كانت الجماهير خافت واختبأت وساندت القمع، فإن الطليعة الثورية ستواصل، وستعود الجماهير مرة أخرى حين تكتشف فشل القمع فى تحقيق أحلامها.
الفرقة الثالثة كان ردها مقتضبا: وماذا فعلت أنت غير الكلام يا فالح؟
الفرقة الرابعة كان ردها أكثر لباقة. قالت: غير صحيح أننا لم نطرح بديلاً ديمقراطياً للاستبداد، لقد أعلنا أكثر من مرة دعمنا لكذا ودعوتنا لكذا، وقلنا إننا نرى أولوية التركيز على كذا وإمكانية تأجيل كذا، وأن تكون الانتخابات الفلانية قبل العلانية، لكنهم لم يستمعوا لنا وصمموا على سياساتهم الاستبدادية التى قادتنا لهنا. فكيف تقول إننا لم نقدم بديلاً؟
الفرقة الخامسة كانت مكتئبة فى ردها. قالت باختصار: يا دكتور، الأحزاب فاشلة وتجربتنا فيها مريرة، والنخبة عاجزة ولا ترى غير موضع قدمها، ولا تستمع، ولا تختلف كثيرا عن قيادات الإخوان أو النظام السابق. البلد كله تم تجريفه وقُضى الأمر.
الفرقة السادسة تحمست وهتفت: معك كل الحق يا دكتور، تقدم الصف ونحن وراءك.
وقبل أن أبدأ فى قطع شرايينى بسن القلم، نطقت الفرقة السابعة بصوت خافت متسائلة: لكن ما هو الطريق العملى لتحقيق ذلك؟ هل نحاول بناء حزب من جديد أم نبحث عن أشكال أخرى للتنظيم؟ وكيف نتفادى الأمراض التى أصابت أحزاب ما بعد الثورة وأضعفت معظمها؟ كيف نبنى تنظيما صلبا ونتفادى الانقسام والاختراق والنزعة الفردية؟ كيف نتفادى التخوين والمطاردة والقمع؟ وكيف نعالج مشكلة غياب القيادة؟ كيف نحمى أنفسنا من استبداد النظام؟ وكيف نقاوم الغضب لأصدقائنا المسجونين والشهداء؟ هل نتجاهل انتخابات الرئاسة والبرلمان القادمتين حتى نضع أساساً نستطيع البناء عليه أم نبنى من خلال الانخراط فى هذه الاستحقاقات؟
قلت لهم وأنا أسترد أنفاسى: إنى لا أعرف إجابة قطعية على كل هذه الأسئلة، لكنها الأسئلة الصحيحة ولا ريب. ربما تفيدكم إجاباتى وربما تجدون أفضل منها، وربما لا تجدون الإجابة إلا من خلال التجربة والخطأ. لكن هذه الأسئلة هى التى ستقودكم فى النهاية لطريق النجاة. أما الفرق الست الأولى فمثلها مثل أهل قرية أنزل بهم حاكمها مصاباً أليماً، الفرقة الأولى تصرخ من الألم والمعاناة، شارحة تفاصيل الألم وصنوفه لكل من يكلمها، ملقية باللوم على الحاكم، ومتفننة فى بيان جرائمه وتعدادها. الفرقة الثانية تجرى فى كل صوب وحدب، مقامرة بأرواحها دون أن تدفع عن نفسها أو أهل القرية المصاب النازل بهم، مكتفية بما تدعوه شرف المحاولة حتى أدمنت هذا الشرف وأعلت قيمته على قيمة النجاح فى دفع المصاب الذى نزل بأهلها. الفرقة الثالثة يئست من دفع المصاب، واحترفت تثبيط الهمم كعزاء نفسى يساعدها على احتمال آلامه.
أما الفرقة الرابعة فقاعدة بجوار بقية الفرق، تدعو الذى أنزل المصاب بأهل القرية أن يساعدهم على البراء منه، ثم تتعجب حين لا يفعل، لكنها تنام راضية قريرة العين أنها أدت واجبها، ولا تنسى أن تذكر بقية الفرق بفضلها ونباهتها. الفرقة الخامسة تراقب البؤس وتمصمص شفاهها كعواجيز الفرح بكلمات لا تعرف إن كانت عزاءً أم لوماً. الفرقة السادسة مستعدة للتحرك، لكنها هائمة على وجهها لا عقل لها، تنتظر مخلصاً يأتيها من فوق القرية أو من تحتها، وكلما خذلها مخلص ابتأست، وعادت تنتظر مخلصا جديدا.
يا أيتها الفرقة السابعة، يا من تسألون الأسئلة الصحيحة، دعوا كل من ينهار منهارا، وامضوا خلف أسئلتكم فهى التى ستنجيكم وتنجينا، ولو فى 2020.

No comments:

Post a Comment